داية: لقد جاء كيري إلى المنطقة في خمس جولات وهو سيأتي قريبا في جولة سادسة. دون تحقيق أية نتائج إيجابية على صعيد التسوية بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني. كل جولاته فشلت والقادمة لن تكون بأفضل من سابقاتها. بالتالي من الطبيعي أن يتساءل المرء: ما العمل؟ السؤال موجه للسلطة الفلسطينية. وللحكومات العربية. التي تبنت إستراتيجية السلام مع إسرائيل. والتي راهنت على: إمكانية إقامة دولة فلسطينية! من ناحية ثانية: لقد قطع بعض القادة الإسرائيليين الشك باليقين. في رفض إسرائيل إقامة دولة فلسطينية: هذا جوهر ما صرّح به كل من داني دانون نائب وزير الحرب الصهيوني. ونفتالي بينيت وزير الاقتصاد في الائتلاف القائم وزعيم حزب ” البيت اليهودي ” والفاشي ليبرمان وزير الخارجية السابق. مؤخرا. في إسرائيل يتحدثون عن “أرض إسرائيل التاريخية” وقد أنشأ في إسرائيل لوبي في الكنيست جعل من هدفه: الدفاع عن هذا الشعار. في الكنيست أيضا مشاريع قرارات تمنع الحكومات الإسرائيلية من الموافقة على إقامة دولة فلسطينية. وأخرى تجعل من طرد الفلسطينيين العرب من أراضيهم بطريقة غير مباشرة. إمكانية قائمة. وتحد من حقوقهم في هذه الدولة العنصرية. ثم أن الاستيطان. قد قضى نهائيا (من ناحية عملية) على إمكانية قيام دولة فلسطينية.
من ناحية أخرى: من يعتقد بإمكانية قيام الدولة العتيدة. ويستمع إلى خطابات وتصريحات نتنياهو والقادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين.يفقد الأمل نهائيا في إمكانية قيام (سلام) مع الدولة الصهيونية،فبرغم عشرين سنة من المفاوضات مع الفلسطينيين. وبرغم وجود اتفاقيات ما يسمى بالسلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وبرغم الاستعداد الرسمي الفلسطيني لإقامة دولة على مساحة أقل من 22% من أرض فلسطين التاريخية، وبرغم ما يسمى بمبادرة السلام العربية الأولى في عام 2002. والثانية هذا العام 2013 والتي تعلن موافقة النظام الرسمي العربي على القبول بتبادل طفيف للأراضي مع إسرائيل في حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. لم يزدد رئيس الوزراء الصهيوني والقادة الإسرائيليين الآخرين إلا تعنتاً وغطرسة وتنكراً للحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية، وفرضاً للمزيد من الاشتراطات على الجانبين.
الحكومة الإسرائيلية وإمعانا في المضي قُدماً باستيطانها. ردت على المبادرة العربية الأخيرة التي قدمها وفد الجامعة العربية في واشنطن، ردت بالسخرية وبالموافقة على بناء مئات الوحدات الاستيطانية الجديدة في القدس الشرقية وأراضي الضفة الغربية،بالتالي. فإن البعض من القادة الفلسطينيين وعندما يتصورون بإمكانية جنوح إسرائيل إلى السلام. يخطئون تماماً. وينطلقون من أساس خيالي ليس إلا،لأن الواقع بكل أحداثه وتجاربه يشي ويؤكد على:أن الكيان الصهيوني يفهم التسوية مع الفلسطينيين والعرب. باستسلامهم الكامل. وخضوعهم للاشتراطات الإسرائيلية،ويعتقد بالحق التاريخي لليهود في الضفة الغربية “يهودا والسامرة “. والذين سكنوا هذه المناطق منذ آلاف السنين. لذا فإن من حق اليهود العودة إلى وطنهم التاريخي وإقامة دولتهم اليهودية عليه.
هذا بالفعل هو جوهر خطابات نتنياهو وغيره من القادة الإسرائيليين . الذي يحاولون الإيحاء بالارتباط التاريخي بين اليهود وفلسطين وأجزاء أخرى من الوطن العربي!هذا الخطاب الصهيوني يأتي في القرن الزمني الواحد والعشرين. لقد سبق لنتنياهو أن قال في أحد خطاباته: إن أي حلول مع الفلسطينيين ستكون بوجود المستوطنين والمستوطنات في الضفة الغربية. لأن المستوطنات هي عبارة عن تغييرات جغرافية وديموغرافية طبيعية. ولا وجود لدولة فلسطين على كامل حدود 1967. فإسرائيل لا تحسن الدفاع عن نفسها بعرض 9 أميال،بالتالي من حقها أن تضم إليها ما تشاؤه وما هو ضروري للدفاع عن حدودها. بالطبع يقصد من أراضي الضفة الغربية المقطعة الأوصال. والدولة العتيدة يتوجب أن تكون ناقصة من أية مظاهر سيادية وحقوق كما للدول الأخرى. حلفاء نتنياهو يكشفون زيف تصريحاته حول موافقته على إنشاء دولة فلسطينية ويقولون: إن هذه الموافقة غير صحيحة. نتنياهو يرددها للاستهلاك الإعلامي فقط!
الفلسطينيون والعرب يراهنون بعد على إمكانية قيام دولة فلسطينية رغم أن الديماغوجي الأكبر. أو قل: الكذاب الأكبر بامتياز: رئيس الوزراء الإسرائيلي:بنيامين نتنياهو.الذي أعلن الناطق باسمه:أن نتنياهو ينأى بنفسه عن تصريحات نائب وزير الدفاع الإسرائيلي داني دانون. الذي كان قد صرح:بأن أغلبية كبيرة وقوية في حكومة الائتلاف الإسرائيلي القائم،تعارض حل الدولتين مع الفلسطينيين،وسوف ترفض إقامة دولة فلسطينية إذا ما جرى طرح هذا الاقتراح للتصويت.الناطق باسم رئيس الحكومة نتنياهو،استطرد قائلاً:”إن رئيس الوزراء مهتم باستئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة مع الفلسطينيين.ردَّ دانون على التصريح السابق قائلاً:”يواصل نتنياهو الدعوة إلى استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين إدراكاً منه بأن إسرائيل لن تتوصل يوماً إلى اتفاق معهم”.
نتنياهو يمارس التمثيل المسرحي في تصريحاته،فهو يعطي وعوداً ويدفع بمسؤولين من حكومته إلى نفي جوهر تلك التصريحات.لطالما منع وزراءه من الحديث حول الشأن السوري. لكنه يدفع بأحدهم إلى التصريح وممارسة التهديدات لسوريا وللبنان. واقع الأمر:أن التدريبات والمناورات العسكرية لا تنقطع في شمال فلسطين المحتلة عام 1948 على كلّ الحدود السورية واللبنانية. أي أن أعضاء الحكومة الإسرائيلية برمتها وبخاصة نتنياهو. يمارسون دوراً تمثيلياً لمسرحية عنوانها”بناء السلام مع الفلسطينيين والعرب”.
نتنياهو لا يريد دولة فلسطينية حتى ولا تلك المنزوعة السلاح.إنه يطمح إلى أن يظلّ الفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي من خلال: محاصرة القوات العسكرية الإسرائيلية لمناطقهم بما في ذلك:غور الأردن.
على ماذا يدّل كل ما سبق:
أولاً:على أن حلم دولة”إسرائيل الكبرى”من”النيل إلى الفرات”مازال يراود أحلام غالبية الإسرائيليين.ليس لدى إسرائيل حالياً من أعداد يهود(قوة ديموغرافية)للسيطرة على كافة هذه المناطق،كما أن الوضع الدولي الحالي لا يسمح بتوسع جغرافي إسرائيلي. ولا إجراء”تراتسفير”لأهالي منطقة 48،وإلا لفعلت إسرائيل ذلك منذ زمن طويل.
ثانياً: أن من الاستحالة بمكان حل الدولتين.
ثالثاً: عملياً ومن خلال حرص إسرائيل بكافة ألوان الطيف السياسي فيها على أن تكون”دولة يهودية”أي”دولة فقط لليهود”فإن هذه يقوض الأساسي الفعلي لكافة الحلول المطروحة الأخرى”الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة”كذلك”الدولة ثنائية القومية”وأيضاً”الدولة لكل مواطنيها”.
رابعاً: إن الفلسطينيين والعرب مطالبون بمزيد من الفهم لطبيعة العدو الصهيوني، لأحلامه. لمخططاته وللمتغيرات الفعلية الجارية في شارعه (وليس مجتمعه ففي إسرائيل لا ولن يوجد مجتمع متجانس). بالتالي: التحولات في المتغيرات السياسية. (انسجاماً بالطبع مع تلك المتغيرات).
هذا يقتضي التأكيد على جملة من الحقائق:أن الخطر الصهيوني لا يقتصر على فلسطين والفلسطينيين فحسب. وإنما على الأمة العربية والأقطار العربية دون استثناء.لذا فإن إستراتيجية السلام والمفاوضات مع إسرائيل هي إستراتيجية لا يمكن أن تؤدي إلى اعتراف إسرائيلي بأية حقوق فلسطينية أو عربية.المطلوب من السلطة الفلسطينية والحكومات العربية:بناء إستراتجية جديدة مجابهة للمخططات الإسرائيلية المبنية على الأطروحات السياسية الجديدة القائمة على تلك المتغيرات. والمطلوب أيضا: قطع الرهان على إمكانية إقامة دولة فلسطينية من خلال المفاوضات لأن هذه لن تقيمها.