أجيال مصر وسوريا وباقي العالم العربي لا تعرف ابدا عن ماضي بلادها وعن تاريخها رغم انه مكتوب وبعضه مزور. كانت القاهرة مثلا أجمل من باريس كما يصف الشاعر المصري احمد عبد المعطي حجازي .. وكذلك الحال مع دمشق التي كان يزنرها الغوطة فتجعلها فيحاء وتسري فيها روائح الياسمين .. وكانت العاصمتان تغتسلان كل ليلة حين يقوم رجال التنظيفات رش شوارعها بالماء النظيف.
لم يعرف الجيل الحالي ان العاصمتين دمشق والقاهرة تنافستا بمشروع الجمال فانزرع في الثانية أكثر من الف مئذنة، وفي الأولى ما يقارب هذا العدد. وان دمشق على سبيل المثال تخرج منها عام 1948 اربعة آلاف طالب من جامعتها، فيما القاهرة تخرج منها الالاف ايضا، بينما لم يكن في لندن في ذلك التاريخ هذه العدد من الخريجين.
ما يجري الآن في العاصمتين مقتلة للعلم والابداع والفن والثقافة. يقال ان ما يوازي الاربعين في المائة من المصريين وصلوا إلى حد الامية، اما في سوريا فقتال سنتين اعاد التعلم الى الوراء بحيث نقص عدد المتعلمين الى أدنى مستوى له.
اجيال في البلدين اضاعا الطريق خلال سنتين، وقبلهما ما عرفته مصر من عدم اهتمام في التعليم. ركن جيلهما إلى الشارع بحثا عن سراب صنعوه في نفسه فصدقه .. أركضوه وراء حلم بعيد المنال، فتاه، ثم حمل السلاح في سوريا ليموت على قارعة الطريق كي تنهش جثته الغربان.
ضحكوا عليه وارجعوه إلى التخلف الذي يريدونه له .. صدقوني ان جزءا من قتل سوريا هو منع أولادها من التعلم والتثقف .. وكذلك هي الحال مع مصر. لا يريد الغربي اجيالا عربية صار لها باع طويل في العلم وأطلت على العصر بمعرفة ويقين. تلك الحروب الدائرة في دمشق او القاهرة وبعض المناطق العربية لتحطيم العقل العربي واعادته الى الوراء سنوات من التخلف. تصوروا ماذا يجري في ليبيا مثلا، وماذا يدور في تونس .. وهذ التقاتل الدائر في سوريا وتلك الميادين التي لا تخلو من أناسها في مصر. نسي هؤلاء ان ثمة حاجة وطنية لدورهم العلمي في أوطانهم، وان مكاسب العلم والمعرفة طريق انهاض وثورة,
نحتاج أعواما كي تعود اجيالنا المقبلة لتؤكد ذاتها في مضمار التعليم. عوضنا الله عن ذلك الجيل الذي رمى بنفسه في أتون سوف يحترق فيه لوحده، ولسوف يدفع الثمن لوحده، ولسوف لن يقدم له من الذين باعوه واضاعوه ماسوف يحتاجه لبناء حياته من جديد.
كانت دمشق وكانت القاهرة .. وكان زمان يفرح الروح بهدوئه وبالآمال التي كان يحملها وبصيغة الحياة السليمة. تغير كل شيء. لم تعد تغسل الشوارع الا بالدم، مع ان الاصوات التي تسكنها ستظل واقفة معلنة عما تدبر لهذا الجيل من ضياع صدقه وباع نفسه لشيطان يتحدث بكل اللغات المغرية.
هل تعود تلك الايام .. لا بد ان يعود الجيل إلى رشده كي تعود الايام والاحلام، وتقف الطوابير من جديد وهي تحمل الكتب والكراسات وعلى وجهها ابتسامات الزهو الوطني.
زهير ماجد/أجيال خارج التاريخ
18
المقالة السابقة