قبل مغادرته المنطقة وبعد جولته المكوكية بين العاصمة الأردنية وتل أبيب تحدث كيري عن إحراز تقدم ملموس في المحادثات المكوكية التي أجراها بين نتنياهو والرئيس الفلسطيني على مدى ثلاثة أيام. الناطقون الفلسطينيون قالوا إنه لم يحصل اختراق يقال بشأن العودة إلى مفاوضات (السلام) بينهم وبين المحتلين الصهاينة. ما الذي جعل كيري يتفاءل ويترك أعوانه ومستشاريه الفنيين خلفه لاستكمال المفاوضات؟ هل حصل على وعد بإمكانية استئناف المفاوضات قبل موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر سبتمبر القادم؟ أم ماذا؟
إذا كان الأمر يتعلق بشروط الطرف الفلسطيني استئناف عملية السلام وهي تتصل بوقف جدي للاستيطان، وإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين قبل اتفاقية أوسلو، والحوار حول حدود 67، فإن نتنياهو كان واضحا معتبرا أنه لا يقبل أي شرط، وأنه مستعد للعودة الآن إلى طاولة المفاوضات، ولكن دون شروط مسبقة. أكثر من ذلك فإن بلدية الصهاينة في تل أبيب أعلنت عن شروعها في خطة لبناء 930 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية. كما أن نتنياهو كان واضحا في الحديث عن رفضه التفاوض حول حدود 67 أو إطلاق الأسرى الذين قضوا في السجون الصهيونية أكثر من عشرين عاما وتعدادهم 120 أسيرا.
مرة أخرى نقول: هل حصل اختراق فعلي في جدار الجمود؟ أم أن الاتصال الوحيد الهاتفي بين الرئيس الفلسطيني ونتنياهو منح كيري بصيصا من الأمل في إمكانية عودة الثقة بين الطرفين؟
لسنا ندري على ماذا يراهن كيري؟ أهي المرونة التي تبديها السلطة الفلسطينية في إمكانية العودة للمفاوضات دون شروط مسبقة، منتظرة بادرة حسن نوايا من نتنياهو؟ أم أنه يراهن على عامل الزمن بحيث ينطلق نتنياهو من فرضية أن (حل الدولتين) يصب في مصلحة الكيان الصهيوني في النهاية؟ بل أكثر من ذلك على أمل انتزاع اعتراف من الفلسطينيين والعرب بيهودية دولة إسرائيل في نهاية الأمر؟
الحقيقة أن الطرف الأميركي لا يصلح أن يكون وسيطا نزيها ومحايدا بين الحق العربي في فلسطين والباطل العدواني الصهيوني، ببساطة لأن واشنطن ليست على مسافة واحدة من الفلسطينيين والصهاينة الغاصبين. إنها من يرعى ويحمي ويسلح ويجهز الكيان الصهيوني بما يريد وأكثر من أسلحة ومعدات وحماية سياسية.
لا يمكن القبول بزعم حياد الولايات المتحدة لتكون وسيطا بيننا وبين أعدائنا المحتلين، وفي هذا نحن نختلف مع السلطة الفلسطينية التي تراهن على دور أميركي إيجابي. بل نحن نرى أن المفاوضات في حد ذاتها اعتراف منا بيهودية إسرائيل، واعتراف منا نحن العرب بأن لليهود الصهاينة حقا في فلسطين.
عليه فإن لغز تفاؤل كيري يمكن فكه ببساطة تامة. إنه يتفاءل بوجود ثقة في الموقف الأميركي من الطرف الفلسطيني المفاوض، وهو يراهن بالتالي على أن يحقق اختراقا يقول بوجود الثقة أو استعادة الثقة بين الطرف الفلسطيني المفاوض والعدو الصهيوني. هل هذا أمر ممكن ويوحي بإمكانية العودة إلى طاولة مفاوضات استغلها المحتلون دائما في سلب المزيد من أرضنا ومن حقوقنا؟ أم أن السلطة الفلسطينية تريد أن يقال إنها ليست مسؤولة عن توقف المفاوضات وفشلها، بل هو العنت الصهيوني وحده؟
نواف أبو الهيجاء كاتب فلسطيني
Nawaf.m.abulhaija@gmail.com