أثبتت الأيام أن شهوة السلطة لدى العسكر في مصر لم تخبُ يوما، خاصة منذ انتصار الثورة المصرية وتجسيد الشعب لإرادته عبر صناديق الاقتراع وانتخاب أول رئيس مدني في تاريخ مصر الحديث، وهو الرئيس الذي تمت محاصرته وإعلان الحرب عليه من كل الجهات وقصفه من راجمات الصواريخ الإعلامية.
هذه الشهوة للسلطة ظهرت إلى العلن ونشرت جريدة الأهرام تفاصيل “المخطط الجهنمي للعسكر” وهو مخطط ينطوي على تنفيذ “انقلاب عسكري ناعم” للسيطرة على مقاليد الأمور في مصر، وقيام جنرالات الجيش المصري بتشكيل مجلس رئاسي ثلاثي وتشكيل حكومة يقودها جنرال وإلغاء الدستور، والسيطرة على الحكم لمدة عام، وتشكيل محاكم ثورية للمحرضين على العنف وتعليمات بالتعامل مع الخارجين على القانون في سيناء”.
هذه الخطة هي انقلاب عسكري “كامل الدسم أو السم” بمشاركة الفلول والمعارضة العلمانية اليسارية الليبرالية التي تعادي الإسلام والفكر الإسلامي والإسلاميين من حيث المبدأ، وهي ستقود إلى ما لا تحمد عقباه وستحول مصر إلى “قطعة من الجمر” لن يقوى العسكر على حملها.
الشيء المؤكد هو أن الجنرالات يستطيعون تنفيذ انقلاب عسكري، فهم يملكون الدبابات والطائرات والمدافع والجنود، ولكن الشيء الأكيد أيضا هو أنهم لن يستطيعوا أن يحكموا مصر “بالنار والحديد” في عصر الثورات العربية، الذي أنتج جيلا عربيا جديدا متمردا وثائرا، هو لن يقبل أن يعود إلى حكم العسكر من جديد، وهناك عوامل كثيرة ستجعل من مصر “جمرا حارقا” في يد العسكر وحلفائهم من الفلول والمعارضة.
أولا: مصر تعاني من جملة من الأزمات الاقتصادية الخانقة والبطالة والفقر وتوقف الحركة الاقتصادية وشلل القطاع السياحي.
ثانيا: غرق مصر في جملة من الأزمات المعيشية وعدم توفر البنزين والسولار.
ثالثا: انقلاب العسكر على الرئيس مرسي يعني الانقلاب على حكم شرعي وإسقاط رئيس انتخب ديمقراطيا وشعبيا.
رابعا: سيدفع هذا الانقلاب الشعب المصري من حالة الاختلاف إلى حالة الخصومة والعداء، مما يمهد الاقتتال البيني.
خامسا: قد يؤدي هذا الانقلاب إلى اندلاع موجة من العنف من قبل أنصار التيار الإسلامي ضد المؤسسة العسكرية، والدخول في مواجهة مع الجيش.
سيكون الانقلاب العسكري بمثابة “خازوق” لجنرالات الجيش المصري، لأن الظروف لا تسمح بتنفيذ انقلاب هادئ وقليل التكلفة، رغم دعم المعارضة والفلول للعسكر، وهذا يعني أن الجيش المصري انحاز إلى فئة من الشعب على حساب فئة أخرى، مما سيجعل منه خصما في نظر الفئة التي يستهدفها وهم الإسلاميون.
إذا ما تجاوزنا العوامل المحلية المحركة للجنرالات المصريين، فإن الوضع الإقليمي موجود أيضا، فقد نقلت وكالة رويترز عن مصادر عسكرية مصرية “قلق الجيش من الطريقة التي يحكم بها الرئيس محمد مرسي البلاد بلغ مداه عندما حضر الرئيس تجمعا حاشدا اكتظ بمتشددين إسلاميين من أنصاره دعوا إلى الجهاد في سوريا، ونقلت عن ضابط تعكس تصريحاته آراء ضباط آخرين في الجيش قوله: “انزعجت القوات المسلحة بشدة من المؤتمر الخاص بسوريا في وقت تمر فيه الدولة بأزمة سياسية كبيرة”.
وهذا يعني أن الجنرالات اعتبروا المؤتمر الإسلامي الخاص بسوريا والذي أعلن خلاله قطع العلاقات نهائيا مع نظام الأسد “خطا أحمر يهدد بخلق جيل من الجهاديين”، وهذا يظهر أن الموقف من الثورة السورية لعب دورا أساسيا في حركة الجنرالات الانقلابية، مع ضرورة الإشارة إلى أن الجيش المصري يشرف على إمبراطورية اقتصادية هائلة تتحكم بنسبة كبيرة من الاقتصاد المصري.
في مواجهة شهوة العسكر للسلطة تصرف الرئيس محمد مرسي كما ينبغي بإصراره على الذي أعلن دفاعه عن الشرعية الدستورية حتى الموت، وقال: “إنه مستعد للتضحية بدمه للحفاظ على شرعية انتخابه”، وهو ما رد عليه الجنرالات بوصف قائده الأعلى بأنه “إرهابي ومتطرف وجاهل بنص مفاده: ” نقسم بالله أن نفتدي مصر وشعبها بدمائنا ضد كل إرهابي أو متطرف أو جاهل”، والإرهابي هنا هو الرئيس مرسي”، وهو الانقلاب الذي أيدته الكنيسة القبطية على لسان بابا الإسكندرية.
الانقلاب العسكري في مصر يعني كفر الإسلاميين بالديمقراطية والانتخاب وصناديق الاقتراع والاحتكام إلى لغة الرصاص، وجنرالات الجيش المصري يحاولون أن يكونوا فوق الدستور، فيما تحاول المعارضة الانقلاب على الخيار الشعبي بعد فشلهم في الانتخابات، ويحاول الفلول إعادة عقارب الزمن إلى الوراء للعودة إلى السلطة، وهو أمر في غاية الصعوبة، لأن زمن الانقلابات العسكرية ولَّى إلى غير رجعة.
هل يعقل أن ينقلب الشعب المصري على نفسه، وأن ينقلب على خياره، وأن ينقلب على ثورته، ويتجه إلى تأييد من ثار عليهم، هل هناك شعب في العالم ينقلب على نفسه خلال عام واحد فقط؟
بالطبع هذا غير ممكن، ولكن تحالف قوى الشر في مصر تريد أن تعاقب أكثر من نصف الشعب المصري على خياراته بانتخاب الدكتور مرسي، كما عوقب الشعبان الجزائري والفلسطيني على خيارهما بانتخاب الإسلاميين.