تعرفت عليه وجهاً لوجه في لبنان وقد التقيته بفندق فنيسيا يجالس مجموعة من السياسيين اللبنانيين من خلال مهمته كسفير ناجح للأردن في لبنان..كان اسمه على السنة قادة الأحزاب والمسؤولين اللبنانيين قد سبقه مما جعل اللقاء معه مغرياً فقد كان الأردن في زمن سفارته حاضراً بقوة في العديد من الأدوار التي لعبها لصالح كل اللبنانيين الذين كانوا يعانون من وجود القوات السورية على أراضيهم، آنذاك كان لدى الباشا قدرة مميزة في نسج العلاقات وفي التحرك المباشر إلى مقرات هذه القوى واللقاء بها وحمل الرسائل اليها ومنها فقد كان شجاعاً مبادراً مستفيداً من خبرته الأمنية ومن تاريخ ظل ينمو وسط زعامة تقليدية ارتكز عليها منذ رأت عيونه الحياة في بلدة العيزرية من ضواحي السلط الشماء..منذ عرفته عرفت فيه الشهامة والمثابرة وحب العمل والاخلاص له..التقيته في مخيم الزعتري وفي المركز الوطني لحقوق الانسان وقد جاء اليه محاضراً عن مأساة اللاجئين السوريين، كان يحمل ملفات كبيرة وكأنه تلميذ ذاهب إلى المدرسة في ايامه الأولى..كان يحفل بالعمل ويعطيه قيمة كبرى تحدث بعين راصدة ونبوءة عما ستؤول اليه الأوضاع وكأنه يقرأ من دفتر الغيب فقد كان يرى أن هذه المأساة ستكبر حتى قبل أن يتوسع الزعتري ويتعقد وكان يرى أن الحمل الأردني كبيراً لكنه كان يردف قائلاً إن في الأردن قيادة ورجالاً قادرين على ألا يقولوا «أخ» حين يستلزم الواجب ذلك.
قضى شهيداً يحمل رصيداً وطنياً من العمل وكما في سفارته في العراق في أصعب الظروف واحلكها وكذلك سفارته في تركيا حيث نسج علاقات مميزة مع العسكر والمدنيين وقرّبه الاتراك كثيراً لأنهم كانوا يرون فيه فارساً..إذ حمل من الفروسية الصفة والممارسة فقد أدمن ركوب الخيل واستحضر قيم الفروسية في تعامله مع الآخرين..وحين حط الركاب في الصين رفع مداميك العلاقة وأعاد انتاجها فبرز دوره في جوانب عدة تميز بها وتميزت به..
لم يذهب إلى التقاعد رغم دخوله استحقاق الاستراحة فقد جاء يلبي نداء الوطن وبتنسيب جلالة الملك حين ذكره بالاسم «كلفوا أنمار» فكان المنسق العام لشؤون اللاجئين السوريين ومنذ تلك اللحظة وهو يعمل كما لو أنه شاب في العشرينيات فقد أعطى خلاصة خبرته ودفق وطنيته وأقام في مخيم الزعتري أو على الطريق إلى الزعتري ومنه معظم أوقاته وكان أن احتضن كبار موظفي الأمم المتحدة وسهل لهم مهماتهم ليدركوا حجم الدور الكبير الانساني الذي يقوم به الأردن في الوفاء بواجبه وفي تحمل مسؤوليات جسيمة يستحق الثناء والتقدير عليها من المجتمع الدولي كله، فكان معه في لحظات عمره الأخيرة وفي ساعات من الليل المفوض العام لشؤون اللاجئين السوريين في الأردن وهو رجل دمث ومخلص ومحب للأردن كنا نعتمد معلوماته وموضوعيته وقد تعرفت عليه عن طريق سفير الامارات العربية المتحدة في عمان..وقد كان يتحدث عن الجهد الكبير الذي يقوم به المنسق الأردني أنمار الحمود خدمة لبلاده وفي نفس السيارة التي أودت بالشهيد الحمود كان أيضاً اليكساندر تايلر المساعد الاداري في المفوضية السامية للاجئين..
كان الجميع في مهمة وكأنهم يسابقون الزمن في تخفيض معاناة الآلاف من اللاجئين الذين ضاقت بهم الأرض بما رحبت ولم يجدوا ما يكفي من رأفة العالم واهتمامه.
لم يكن أنمار الحمود الذي يحمل على كاهله (67) عاماً من العمل الجاد يعود إلى منزله الا في ساعات متأخرة ليسري مع الفجر احياناً ليعمل على حل كل مشكلة أو يستقبل مسؤولين أو سفراء أو مبعوثين جاءوا حيث موقع مأساة اللاجئين.
قضى الحمود شهيدا للواجب وسيظل اسمه مرتبطاً بالدور الانساني الذي قاده الملك وقاده الأردن في سبيل مسح الآسى وتخفيف الألم عن كل لاجىء سوري وصل الى بلدنا..
alhattabsultan@gmail.com