هذه لحظة الحقيقة التي يشارك في صنعها ملايين المصريين الذين أصبحوا في الشوارع والميادين ولم يعد الكثير منهم الى بيوتهم بل استمروا في الحشد والتجمع على شكل أسر كاملة في كثير من الأحيان..
لا يريد المصري أن يعود إلى بيته جائعاً أو مقهوراً أو مسلوب الكرامة فالكلام الكثير الذي سمعه أثناء ثورة يناير وبعدها لم يثمر والشهداء والجرحى الذين قدمهم لم تغير دماؤهم واقعه ولذا عاود الخروج غاضباً واشار في خروجه إلى موقع الخلل وهو القيادة التي يشغلها الإخوان المسلمون أو لنقل نفوذهم المتسرب عبر رئيس الجمهورية محمد مرسي الذي فضـّل الاخوان على مصر وربط حركة مصر بحركة الاخوان..ولذا استفاق المصريون اذ ذهبت سكرة الانتفاضة وجاءت فكرة الإخوان..
مصر ليست أفضل في الاقتصاد الذي تراجع ولم يرسل اشارات تطور ملموسة..ومصر ليست أفضل في الاجتماع اذ ازداد التجاذب الاجتماعي والانقسامات الإثنية الطائفية والطبقية والمذهبية ومصر ليست أفضل وطنيا ً أو قومياً اذ لم تتطور العلاقات مع العرب بشكل يلزم العرب دعم مصر وشعبها الذي دفع ثمناً لعروبته وقوميته ولقبوله تحديات الخارج على أمته ومصر لم تكسر في زمن الاخوان-الذي نعرف انه كان قصيراً حلقة كامب ديفيد ولم يفتحوا نافذة الحرية لمصر لتخرج من الارتهان للنفوذ الاسرائيلي الذي مثلته الاتفاقية التي عمل مرسي على الحفاظ عليها أكثر مما عمل مبارك وزاد أن عمل على تطهير سيناء من اي مقاومة أو احتجاج كما بدا له حتى ترتاح اسرائيل أكثر ولعل رسائل التطمين المصرية التي ارسلها مرسي للقيادة الاسرائيلية قد فجعت المصريين والعرب وهزت قناعتهم بمن ينام في فراش الثورة وينطق باسمها..
رمزية عبد الناصر وخلوده مردّهما أنه أراد لمصر دوراً بحجمها وأراد لها أن تكون دولة محورية ذات بعد اقليمي ولذا خرج بمصر خارج حدودها وصدّر أزماتها بما يريح المصريين والعرب لذلك قدروه وعظموه حتى مع انه كان سبباً في هزيمة عام 1967 فمصر يجب ان تكون عظيمة وقائدة لأمتها وأن تتحمل تبعات ذلك وهي ليست مع الأشكال الأخرى من خيارات السياسة التي جربها مبارك وكرّسها مرسي في بعد الصراع العربي الاسرائيلي والعلاقات العربية.. لو أن مرسي أعلن موقفاً واضحاً وعملياً وممارساً من العدوان الاسرائيلي على الأمة العربية واستمرار الاحتلال وخاصة حصار غزة ولو أنه انفتح على الأمة بشعارات عملية وتضامنية ومدنية لأيدته الشوارع العربية ووقفت إلى جانب مصر وخلفها ومكنتها من استعادة دورها ولكن مرسي وقيادته التي انصرفت لاحكام قبضتها على مفاصل الدولة المصرية وتلهت في صبغ مصر بلون الاخوان المسلمين فوتا فرصة قبول المصريين لمرسي ونهجه وخططه المستقبلية..
لا تجتمع مصر على ضلالة و(22) مليون توقيع لا يمكن أن يكون أصحابها من الفلول والا استحق الفلول بهذا العدد أن يحكموا مصر ولم يكونوا كارهين للاسلام والا لم تكن مصر البلد الاسلامي الأول وأكثر الشعوب تديناً وتسامحاً في الدين.
خيارات مصر الآن صعبة وهي تمر بمخاض هو الثاني بعد اعلان ثورة 25 يناير وهو المخاض الأصعب الذي تترتب عليه استحقاقات التغيير الأعمق وإعادة بناء المؤسسات على أسس ديموقراطية جديدة وبمشاركة واسعة تضمن للقرار المصري المستقل والواقعي والتقدمي أن ينهض. مصر نبات تاريخي عميق الجذور حملت اسم العروبة وحمت الاسلام وهي ليست نبتا من الافتاء الذي خلط أوراقها وأفقدها بوصلتها ووضعها على مفترق الصراع والتدخلات..
لم تكن مصر كافرة أو قليلة دين ليضعها الاخوان في عباءتهم ويعملوا على إعادة فتحها وادخالها الاسلام ويستدعوا إلى ميدان التحرير يوم النصر اليها الشيخ القرضاوي ليدخلها كأنه فاتح مكة أو كأنه الخميني في عودته إلى ايران بعد الثورة.
مصر كانت تشكو الجوع والذل وهيمنة الأجنبي وقيود معاهدة كامب ديفيد وسطوة الفاسدين، كانت تريد كنس ذلك وانتظرت أبناءها الذين أنجزوا الثورة لتجد نفسها وقد استبدلت حكاماً بحكام وقرارات ظالمة بفتاوى عمياء..مصر الان تخرج بكل ابنائها لحماية تاريخها وتحديد مسيرتها المستقبلية التي تحفظ لها الخبز والكرامة وتعطيها دورها وحجمها وهي لن تعود إلى بيتها إلا بحقوقها كاملة فقد كسرت القيود وإلى الأبد..
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب/مصر اللحظة الفاصلة..
23
المقالة السابقة