أقر مجلس الأعيان أمس الأول الموازنة العامة للحكومة، وموازنة الوحدات الحكومية، لتكتمل بذلك المراحل الدستورية لإقرار الموازنة، بانتظار الإرادة الملكية السامية، والنشر في الجريدة الرسمية.
وبذلك يصبح لدى الحكومة موازنة دستورية يجب الالتزام بما جاء بها من فصول وخاصة فصل النفقات. حيث إن الحقيقة الثابتة في أي موازنة هو بند النفقات الذي تُقدره الحكومة بناء على معطيات محددة وخاصة في مجال النفقات الجارية.
أما فصل الإيرادات، فهو بند متحرك يعتمد على عوامل خارجية لا تستطيع الحكومة الجزم بتحققها خاصة في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي التي قد تؤدي إلى تراجع حصيلة الإيرادات من الضرائب المباشرة، وغير المباشرة، ومن الرسوم السيادية، وحتى من المنح، والمساعدات الخارجية.
وقد جاء إقرار الموازنة اليوم بعد مرور نصف السنة المالية. بيد أن المؤشرات التي صدرت عن الحكومة عن الثلث الأول من العام مقلقة للغاية. فحسب التحليل الذي أورده الزميل علي الرواشدة في العرب اليوم منذ يومين، وهو مبني على نشرة المالية العامة الصادرة عن وزارة المالية، يلاحظ أن النفقات الجارية ارتفعت بنسبة 10% عن الفترة المقابلة في العام الماضي، أما الإيرادات المحلية فقد انخفضت بنسبة تزيد على 8% خلال فترة المقارنة نفسها.
والمقلق هنا أن مشروع قانون الموازنة الذي تم إقراره بُني على أساس موازنة تقشفية افترضت، أو التزمت به الحكومة بتخفيض النفقات الجارية بنحو 2% عن العام الماضي، وبزيادة الإيرادات العامة بما يقرب من 11%.
وبإسقاط الأرقام المحققة اليوم مع ما تم الالتزام به في مشروع الموازنة، يتضح أن قصة الموازنة التقشفية هي للاستهلاك المحلي فقط.
فكيف نبرر ارتفاع العجز المالي للحكومة، من دون المؤسسات المستقلة، من 39 مليون دينار عن الثلث الأول من عام 2012 إلى 277 مليون دينار خلال الفترة المقابلة من العام الحالي. ولعل من المستحيل التفكير أن تقوم الحكومة خلال ما تبقى من العام بتخفيض نفقاتها بما يقرب من 15% لتتمكن من عكس أثر الثلث الأول، وتحقيق التزامها أمام مجلس الأمة بتخفيض الإنفاق الجاري بنحو 2% وفقا لقانون الموازنة العامة. وبما أن ذلك مستحيل فإن الواضح اليوم على الحكومة أن تجهز اليوم ملحقا للموازنة، وتدفع به إلى مجلس الأمة بغية معالجة النفقات التي انفلت عقالها على ما يبدو. علما بأن الزيادة في النفقات جاءت من الحكومة المركزية وليس من الوحدات المستقلة، ولا ندري اليوم كم هو عجز المؤسسات المستقلة في الثلث الأول، لأن ذلك لا يتم نشره إلا كمفاجأة غير سارة في نهاية كل عام. يبدو أن هناك نفقات لم يتم الإفصاح عنها أو غفلت الحكومة عنها وسقطت سهوا من مشروع الموازنة. والمحصلة أننا سنكون أمام عجز مالي بعد المنح لن يقل عن 2 مليار بدلا من مبلغ 1.3 مليار تعهدت به الحكومة من باب تخفيض العجز والالتزام باتفاقية صندوق النقد الدولي. الغريب أن المواطن التزم باتفاقية الحكومة مع الصندوق، ودفع ما عليه، وخفض أثر إسرافه، إن وجد، عبر استيعاب وقبول مرارة تعويم أسعار ورفع الدعم عن المشتقات النفطية ووفر للحكومة ما زيد على 300 مليون دينار، فهل تساعدنا الحكومة وتلتزم هي أيضا وتقدم تخفيضا في نفقاتها موازيا لما قدمه المواطن؟ الله أعلم.
د.خالد الوزني/الموازنة أقرت والملحق قادم
18
المقالة السابقة