عبارة العنوان قالها الملك في جامعة مؤتة في حفل تخريج دفعة من الطلاب العسكريين ونكررها اليوم ونحن نرى مدارسنا تحيط بها الشرطة من أجل أن تتمكن من اجتياز امتحان التوجيهي فهل هذا معقول؟ والى متى هذا؟ ومن الذي أوصلنا إلى هذا؟
اقتحام قاعات التوجيهي وتسريب الأسئلة وغياب الأمانة وتردي الأخلاق وتواطؤ شرائح اجتماعية للدفاع عن الفساد الذي يصاحب الامتحان..كل ذلك لا يمكن أن يكون نتاج اللحظة بل هو تراكم مراحل سابقة وضع المسؤولون فيها رؤوسهم في الرمل ولم يعالجوا الخلل أولاً بأول إلى أن انحطت مستويات التعليم وتراجعت مضامينه واهدافه وفلسفته..
ظل الانسان الأردني مميزاً وظل هو الثروة الأساس في وعيه وتحصيله واخلاصه وايمانه بقيم العمل واخلاقيات المهنية وسجلنا في هذا المجال علامات فارقة في الداخل وحيث سعى أبناؤنا للعمل في الخارج فما الذي أصابنا؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ لسنا بصدد التلاوم الآن، فهناك ظواهر هجينة تخرج عن المألوف..هناك عنف في الجامعات وهناك تجاوز على أعراف وتقاليد التعليم وحتى على اعراف وتقاليد التربية العامة فكيف يمكن الخروج من هذه الظواهر وإعادة بناء مجتمع يبنيه التعليم ويوفر له أسباب النجاح والتقدم..
كنا نعتز بمدارسنا وبأخلاق طلابنا، وكنا نراهن عليهم انهم وسائلنا للتقدم والتطور وحمل الأردن إلى الأمام فهل نخسر الرهان أم نعاود لنقرأ واقعنا الذي اختل منذ جرى السماح بتجاوز القانون ورشوة اطراف مخالفة به لاعتبارات من الضعف وعدم الادراك.
ليس معقولاً أن نضع على كل رأس قاعة شرطياً وأمام كل مدرسة مجموعة مسلحين لنمرر الامتحان فليس هكذا تورد الابل، وليس هكذا تكون المعالجة، وانما لا بد من استنهاض همة مجتمعنا كله وتحريك كوامن العطاء والاخلاص فيه واسنادها بالارادة المخلصة والقانون لانفاذ الاصلاح والذين يتحدثون عن الاصلاح بالمزايدة او المناقصة انما يتحدثون في فراغ طالما لم نبدأ من وضع اللبنة الأولى لبنة بناء الانسان الأردني وحماية مكتسباته وتعميق نهج دولة القانون والمؤسسات التي بدأت تستهدف بالعبث والاهمال والفوضى..
إذن هناك بعد خطير هو بعد تراجع الأخلاق والقيم وهذه البيئة السلبية يزداد عمقها وظواهرها نتاج تواطؤ اجتماعي بالدرجة الأولى..فأين الأسرة وأين المدرسة ابتداء؟..
أين التعليم الذي يحمل مضموناً يعمق ذلك؟..فالتعليم لا قيمة له ان كان مجرد تلقين أو حمل شهادات أو تجاوز امتحانات وتكون المخرجات خالية من ثمار القيم والمباديء والايمان بالشراكة الاجتماعية وتكافؤ الفرص..
نحن في مرحلة لا بد أن يزج فيها جهد كل القادرين على أن يقدموا شيئاً ينقذ ويخلص ويساهم في اعادة البناء فالمسألة ليست مسألة حكومة أو ماذا تفعل الحكومة وانما أيضاً ماذا نفعل نحن جميعاً؟ ولماذا يسعى بعضنا للتوسط للمخالفين والشد على أيديهم وتمكينهم من المخالفة دون أن ياخذ القانون طريقه للتصدي..
ليست ظاهرة التوجيهي هي التي تزعج فهناك ظواهر عديدة أخرى تنتاب مجتمعنا فهل صحيح أننا لم نعد نقوى على التصدي أو التغيير؟ وهل هذه التجاوزات هي شكل من اشكال ردود الفعل على غياب العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص كما قال الملك في مؤتة؟ أم أنها أيضاً نتاج غياب الاستثمار في بناء المجتمع المدني وبطء الاصلاح وهيمنة مراكز اجتماعية ومراكز قوى محددة سمحت بهذا الانفلات وغيبت تطبيق القانون لتحافظ على مكاسبها وتبقي مجتمعنا في دوامة التساؤل والبحث عن المخرج..
سلطان الحطاب/«ليس هذا هو الأردن يا إخوان» !
15
المقالة السابقة