تجاوز «حزب الله» في لبنان، علناً، ما كان يُظن به سراً. تعامل الاطراف اللبنانيون مع الحزب الذي ترافق اعلانه مع توكيل النظام السوري بالوضع الداخلي اللبناني إثر اتفاق الطائف، على انه «وديعة سورية». فكان يُنظر اليه كجزء من النظام الأمني – السياسي الذي نشأ مع الطائف، وبما هو جزء من التركيبة الداخلية اللبنانية الخاضعة لحسابات النظام السوري اولاً وأخيراً. وهي حسابات ترفع هنا وتسقط هناك، بما يبقي التوازن العام قائماً حول مؤسسات الدولة اللبنانية، وإن تحت المظلة السورية. فكان «حزب الله» محيّداً في النزاعات الداخلية، بذريعة تفرغه لمقاومة الاحتلال، وأن هذا «الحياد» يرتبط بخشية الاطراف المحليين من إغضاب الراعي السوري الذي كان بدوره يضبط ايقاع «حزب الله» على ايقاع مصلحته واستمرار الهدوء اللبناني المكلف به، خصوصاً لجهة استعادة المؤسسات دورها الشكلي، بما في ذلك المؤسسات الامنية والتشريعية.
وفيما كان الجميع منهمكاً في النزاعات على الحصص والادوار، ظناً منهم ان النظام الامني – السياسي السوري يتولى ضبط السلاح الذي يتدفق على «حزب الله» وأن وظيفة هذا السلاح وحامليه ستنتهي يوم توقيع السلام السوري – الإسرائيلي، كانت تجرى عملية معقدة بين الحزب، كقوة عسكرية شيعية، وإيران الراعية والممولة له وصاحبة مشروع التمدد في المنطقة، وبين النظام السوري الذي يبرر استمراره بإعلان المقاومة لإسرائيل.
وما نراه اليوم من دور للحزب، في لبنان وسورية، هو حصيلة هذه العملية المعقدة، الخارجة عن اي حسابات لبنانية داخلية من اي نوع كان، بما فيها تلك المرتبطة بإسرائيل. ويبدو ان هذه العملية وصلت الى خاتمتها بعدما بات الحزب متحرراً من اي حسابات لبنانية. وهذا ما عبر عنه الامين العام للحزب، في خطابه يوم الجمعة، بالقول انه يتصدى لـ «الهجمة الكونية»، او يشارك في التصدي فيها.
في هذا المعنى، تطابق انتماء الحزب مع سلوكه، متخلياً عن تلك الوسائط التي استخدمها منذ تشكيله. حتى ان مشاركته في الحياة السياسية ومؤسسات الدولة باتت تخضع للانتماء وليس للضرورة اللبنانية. فالنسبة الى الحزب حالياً، تكون المؤسسات الامنية جزءاً من دوره في اطار العملية المشار اليها، او انها جزء من «الهجمة الكونية». وفي الحالين ليست مؤسسات لبنانية ينبغي ان تخضع لاعتبارات الدولة اللبنانية. كذلك الحال مع مجلس النواب الذي فرض الحزب التمديد له ويعطل المجلس الدستوري، عبر أعضائه الشيعة، لمنع الطعن الرئاسي بالتمديد، فهو يكون في خدمة الحزب وأغراضه الخارجية وإما لا يكون… وصولاً الى عصيان علني يعلنه وزير الخارجية في مواجهة رئيسي الجمهورية والحكومة، من اجل خدمة الحزب وسياسته.
هكذا تخلى «حزب الله»، وقادته في لبنان وإيران، عن التبريرات السابقة التي ربطوها بلبنانية الحزب، مثل المقاومة والحفاظ على النسيج الداخلي المتعدد، لمصلحة الكلام الواضح والصريح عن ان الدور والوظيفة هي في «المواجهة الكونية» التي لا يشك احد في امكان حسمها قريباً. مع ما يعنيه ذلك من تحول الحزب من موقع المتسامح والمسكوت عنه الى موقع المتعارض مع مفهوم الدولة اللبنانية والكيانية اللبنانية والمؤسسات الناظمة لها. وذلك عبر اعلانه ان غرضه هذا سيحققه بسلاحه، سواء في المعارك الدائرة حالياً في سورية او في غيرها من بلدان المنطقة، وبالتأكيد في مقدمها لبنان. وليصبح معنى المشاركة في «المواجهة الكونية» المشاركة العسكرية في الهجوم الاقليمي.
عبدالله اسكندر /الهجوم العسكري الاقليمي
17
المقالة السابقة