الديماجوجي الأكبر, أو قل: الكذاب الأكبر بامتياز هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لقد أعلن الناطق باسمه أن نتنياهو ينأى بنفسه عن تصريحات نائب وزير الدفاع الإسرائيلي داني دانون, الذي كان قد صرح بأن أغلبية كبيرة وقوية في حكومة الائتلاف الإسرائيلي القائم، تعارض حل الدولتين مع الفلسطينيين، وسوف ترفض إقامة دولة فلسطينية إذا ما جرى طرح هذا الاقتراح للتصويت. الناطق باسم رئيس الائتلاف ورئيس الحكومة نتنياهو،استطرد قائلا:”أن رئيس الوزراء مهتم باستئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة مع الفلسطينيين. ردَّ دانون على التصريح السابق قائلا:”يواصل نتنياهو الدعوة إلى استنئاف المفاوضات مع الفلسطينيين إداركا منه بأن إسرائيل لن تتوصل يوما إلى اتفاق معهم”.
هكذا يكشف نائب وزير الدفاع, رئيس حكومته, الذي يجعل من نفسه حمامة سلام، وكأنه متعطش إلى إيجاد حل مع الفلسطينيين, لكنه يدرك في صميم دماغه، أنه سيظل يعرقل أي اتفاق مع الفلسطينيين. لقد تحدث نتنياهو عن موافقته على قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح. كان ذلك في خطابه في جامعة بارايلان منذ سنوات! بالطبع فإن تصريحه للاستهلاك ليس إلاّ! هو يطالب باستنئاف المفاوضات مع الفلسطينيين والعرب لكنه يضع العراقيل أمام استنئافها, من خلال فرض بناء المزيد من المستوطنات وتوسيع الأخرى القائمة وبخاصة في القدس وجوارها, ومن خلال المطالبة باعتراف رسمي فلسطيني وعربي” بيهودية دولة إسرائيل” كأساس لاستنئاف المفاوضات. لقد سبق للرئيس المصري السابق حسني مبارك أن وصف نتنياهو من خلال القول” بأنه يتكلم كلاما جميلا لكنه لا يقوم بتنفيذ جملة واحدة من هذا الكلام الجميل”.
نتنياهو يمارس التمثيل المسرحي في تصريحاته، فهو يعطي وعودا ويدفع بمسؤولين من حكومته الى نفي جوهر تلك التصريحات. لطالما منع وزراءه من الحديث حول الشأن السوري, لكنه يدفع بأحدهم إلى التصريح وممارسة التهديدات لسوريا وللبنان. واقع الأمر أن التدريبات والمناورات العسكرية لا تنقطع في شمال فلسطين المحتلة عام 1948 على كلٍّ الحدود السورية واللبنانية, أي أن أعضاء الحكومة الإسرائيلية برمتها وبخاصة نتنياهو, يمارسون دورا تمثيليا لمسرحية عنوانها”بناء السلام مع الفلسطينيين والعرب”.
لسنا بحاجة إلى تصريح نائب وزير الحرب الإسرائيلي لمعرفة وجهات نظر نتنياهو فيما يتعلق بالسلام مع الفلسطينيين والعرب. إنه يتمسك باللاءات الإسرائيلية المعروفة لكافة الحقوق والمطالب الفلسطينيية والعربية العادلة، لكنه يدعو إلى في قرارة نفسه ( وفي بعض الأحيان يفوته ذكاءه ودبلوماسيته فيظهر على حقيقته) إلى استسلام كامل من قبل الطرفين لإسرائيل. مثلما قلنا تزّل قدمه في بعض الأحيان ويظهر على حقيقته،عاريا تماما من زيفه. لقد أعلن أحيانا أنه يطالب العرب ” بالسلام مقابل السلام” أي أنه يريد تطبيعا مجانيا مع العرب. أما فيما يتعلق بالحقوق الفلسطينية فهو يعتقد أنه وبوجود الحكم الذاتي المتمثل في السلطة الفلسطينية مسلوبة الإرادة ومنزوعة أي شكل من أشكال السيادة (ويستطيع جندي إسرائيلي أو جندية منع موكب رئيس السلطة من المرور على حاجز من تلك الستمئة المنتشرة على طرق ومداخل ومخارج كافة المناطق الفلسطينية. وتستطيع إسرائيل منع طائرته من المغادرة أو الدخول وتستطيع اعتقاله أو سجنه) فإن الفلسطينيين نالوا “حقوقهم كاملة غير منقوصة” ولذلك بدأ الحديث عن استعمال ما يسمى “بالسلام الاقتصادي” بين الفلسطينيين والعرب من جهة وبين إسرائيل من جهة أخرى.
نتنياهو لا يريد دولة فلسطينية حتى ولا تلك المنزوعة السلاح. إنه يطمح إلى أن يظلّ الفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي من خلال محاصرة القوات العسكرية الإسرائيلية لمناطقهم بما في ذلك غور الأردن. أنه مع بقاء السيادة الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية, ومع الاستيطان الدائم. نتنياهو يرى في وجود دولة فلسطينية ذات سيادة مقتلا لإسرائيل ولدولتها. لقد أخذ بمبدأ إسحق شامير رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق ” مفاوضات مع الفلسطينيين عشرات السنين دون التوصل إلى أي اتفاق معهم”. بالفعل هذا ما جرى طيلة عشرين عاما من المفاوضات. هذا مبدأ إسرائيلي يتقنه غالبية القادة الإسرائيليين.كل الذي فعله داني دانون:أنه كشف حقيقة نتنياهو.
من ناحية ثانية، ومن أجل إدارك حقيقة نتنياهو وتوجهاته,علينا رؤية ما يجري في الداخل الإسرائيلي, ومشاريع القرارات التي يجري تقديمها إلى الكنيست. مؤخرا أطلق رئيس الائتلاف الحاكم في الكنيست ياريف لفين (من قيادة حزب الليكود) مجموعة ضغط برلمانية (بالتنسيق مع النائب المتطرفة كثيرا أوريت ستروك) تحت اسم ” اللوبي من أجل أرض إسرائيل”. المهمة الرئيسية للوبي الجديد الدعوة إلى فرض” السيادة التاريخية” لإسرائيل على كل فلسطين التاريخية (من النهر إلى البحر). يأتي ذلك وسط مساعي حثيثة لفرض قوانين تشريعية جديدة تمنع أية حكومة إسرائيلية من إجراء تسوية مع الفلسطينيين. الفلسطينيون في الضفة الغربية من وجهة نظر اللوبي يستطيعون العيش في الضفة الغربية ( يهودا والسامرة) ويستطيعون ممارسة حقوقهم السياسية من خلال التصويت في البرلمان الأردني، ارتباطا بالأردن.
لقد قال لفين في رسالته إلى أعضاء الكنيست إن الهدف من اللوبي هو عدم المس بالتوطين (الاستيطان) وبأمن مناطق يهودا والسامرة وغور الأردن، والعمل على تشريع قوانين تعزز المكانة القضائية للشعب اليهودي في كل أرض إسرائيل”. هذا يعني(بتفسير اللوبي) السيادة الإسرائيلية الكاملة على أرض فلسطين التاريخية، يادة ميزانية المستوطنات والاستيطان بشكل عام من الخزينة العامة. أيضا يقوم لفين بإعداد مشروع قانون يطلق عليه اسم”الدولة القومية”أي(إسرائيل اليهودية)التي تهدف إلى إخلاء العرب منها.
ما كان لفين يقوم بهذه الخطوة دون موافقة رئيس حزبه ورئيس الحكومة نتنياهو، فهو لا يأخذ هذا على عاتقه دون تنسيق مع حزبه. هذه هي حقيقة ما يجري في الدولة الصهيونية، وهذا ما عكسه تصريح داني دانون والذي يكشف فيه ديماغوجية نتنياهو!.
د.فايز رشيد/الديماجوجي الأكبر…. نتنياهو
34
المقالة السابقة