كانت الدولة والحكومة تنأيان بالنفس عن الصراع في سوريا، وتحاولان الآن النأي بالنفس عن مغامرات “حزب الله” في سوريا. لكن وزير الخارجية يبدو فاتحا على حسابه، فمن يقرأ كلمته أمام مجلس الجامعة العربية لا يساوره شك في أنه وزير سوريا و”حزب الله”، وليس عضواً في الحكومة اللبنانية. إذ أن احتلال الحزب القصير سوّغ لعدنان منصور أن يتجاوز رئيسي الجمهورية والحكومة، فخصص كلمته لتبرير تدخل “حزب الله” في سوريا بتعليمات من مرشد الجمهورية الاسلامية الإيرانية. وهذه المرة لم يتوجه أحد باللوم إلى هذا الوزير.
في غضون ذلك كان الرئيس ميشال سليمان يكرر رفضه “أي تدخل لبناني في الأزمة السورية” بما في ذلك تدخل “حزب المقاومة”. ولم يكن مفهوماً يوماً أين يصرف مثل هذا الرفض، طالما أنه لا ينعكس على الحكومة قبل تصريف الأعمال وخلاله. تماماً كما لا يبدو مفهوماً إلى من يتوجه بيان قيادة الجيش في تحذيره من “مخططات لإعادة لبنان الى الوراء واستدراجه الى حرب عبثية”، طالما ان منطقة عمليات “حزب الله” في الشمال الشرقي محرّمة على الجيش. هذا يؤكد ان توزيع الأدوار يتم بنجاح، فـ”الحزب” يقاتل هناك ضد الشعب السوري، والجيش يبذل كل جهد لضبط ردود فعل الشعب اللبناني.
تنفيذاً لهذه المهمة نصح الجيش بالتعبير عن الآراء السياسية بالوسائل السلمية و”عدم الانجرار وراء مجموعات تريد استخدام العنف وسيلة لتحقيق اهدافها”. اي مجموعات؟ من يملك أقوى وسائل العنف حالياً في لبنان؟ “حزب الله” أم “التكفيريون”؟ واستطراداً، أليس من واجب الدولة والجيش أن يصارحا اللبنانيين بأن سكوتهما على السلاح غير الشرعي الخارج عن سلطتهما هو الذي تسبب بوجود سلاح غير شرعي آخر؟ في كل حال، كان هناك شيء من الرضا – بلا أوهام – لدى اللبنانيين، اذ قال بيان الجيش ان “استعمال السلاح سيقابل بالسلاح”، بل اضاف: “لن ندخر جهدا لتجنيب الابرياء ثمن غايات سياسية وفئوية تريد خراب لبنان”. لن نقول: أفلح إن صدق، لكن نسأل: لماذا التعميم والتجهيل، ولتسمّ أي مجموعة، أياً يكن انتماؤها الطائفي، أليس معروفاً بعد من يسعى إلى خراب لبنان وسوريا معا، ومن سبق أن هدد بتخريب لبنان إذا اقترب أحد من سلاحه أو إذا وجّهت إليه تهمة ارتكاب اغتيالات لم يكن أبداً بعيداً منها؟
لئلا يضطر الجيش لمقابلة السلاح بالسلاح، عمد قتلة “حزب الله” الى اعدام هاشم السلمان بالعصي والهراوات والسكاكين، فهذه ليست أسلحة. وقد حصلت الجريمة الجماعية امام السفارة الايرانية وعلى مقربة من ثكن عسكرية. أن يكون القاتل والقتيل شيعيين، والمكان شيعياً ايضاً، فهذا لا يعفي احداً في لبنان، خصوصاً الدولة والجيش، من إحقاق الحق وتطبيق القانون، حتى لو كان القاتل منتمياً إلى حزب يحكم فعلياً. أو فليقل أصحاب القرار ان “حزب الله” بات رسمياً فوق الدولة وفوق القانون.
عبد الوهاب بدرخان/المبارك إلى بغداد اليوم
20
المقالة السابقة