بعيد انتصار ثورة آية الله الخميني الإيرانيّة في 1979، شاعت في أوساط الثورة وبين مؤيّديها نظريّة تقول بـ «وحدة إسلاميّة» جامعة للسنّة والشيعة. ذاك أنّ المذاهب، وفق تلك النظريّة – الخرافة، ذات وجود سطحيّ في الإسلام وتاريخه، وهو وجود ما كان ليكتسب شيئاً من الجدّيّة لو لم يفرضه على المسلمين الغربُ واستعمارهم، قبل أن تضمّ إسرائيل جهودها إلى هذا الهدف في تجزئة المسلمين. هكذا ترقى الثورة «الإسلاميّة» وجمهوريّتها إلى تصويب كبير للتاريخ يطوي صفحة المذاهب، مستخلصاً الجوهريّ من العَرضيّ ومستأنفاً سيرة الإسلام الواحد الموحّد.
النظريّة هذه كانت أساساً للتصدير العربيّ حيث يشكّل السنّة الأكثريّة الكاسحة بين المسلمين العرب. وهي، في المعنى هذا، واكبت الدعوة الشهيرة إلى تصدير الثورة الخمينيّة فيما مثّلت ما يشبه الصياغة الإيرانيّة لأمميّة دينيّة مزغولة تطوّع الأفكار الزائفة لخدمة دولة وسلطة بعينهما. ذاك أنّ تلك «الوحدة الإسلاميّة» لم تحمل على إعادة نظر بموقع الإيرانيّين السنّة في دستور الجمهوريّة الإسلاميّة، ولا هي حملت على إعادة الجزر الثلاث في دولة الإمارات العربيّة «السنّيّة»، والتي سبق أن احتلّها شاه إيران، إلى «أهلنا» و»أخوتنا» المسلمين هناك. وحين نشبت حرب الخليج العراقيّة – الإيرانيّة، بنتيجة عدوان صدّام حسين على إيران، لم تكن اللغة السياسيّة والتعبويّة للإيرانيّين أقلّ شيعيّة ممّا كانت عليه سنّيّة اللغة السياسيّة والتعبويّة للعراقيّين. أمّا التتمّة التي لا بدّ منها، وهي شرط إتمام الخديعة، فتحرير فلسطين وإقامة الصلاة في القدس. وكما دائماً، تستطيع هذه المزحة البائخة أن تجترح المعجزات.
كان كلّ شيء يوحي أنّ «الوحدة الإسلاميّة» تلك، مثلها مثل «الوحدة العربيّة» عند مصر الناصريّة وسوريّة البعثيّة، وصفةٌ لتوسيع النفوذ ومدّه. وقد سار هذا بالتوازي مع رعاية غير مسبوقة للتفتّت والتفتيت كانت تكمّلها، من الطرف الآخر، فتاوى المشايخ العرعوريّين والقرضاويّين عند السنّة.
وقد يصحّ القول إنّ «حزب الله» اللبنانيّ، وهو المقاومة «الإسلاميّة»، كان النُصب الأعظم الرامز إلى هذه الخدع مجتمعة. فهو، باسم الإسلام، نشر وعزّز رواية بالغة المذهبيّة والجزئيّة عن الإسلام نفسه، مستحوذاً على معاني تحرير فلسطين ومحاربة إسرائيل ومستخدماً إيّاها في تهميش، أو في تصفية، القوى التي تقول القول نفسه من مواقع سياسيّة وإيديولوجيّة مختلفة. وقد تمكّن «حزب الله» من أن يكون هذا كلّه لأنّنا جميعاً غضضنا النظر عن خدع التحرير والمقاومة التي جُعلت محرّماً وانخرطنا فيها.
لكنّ الزمن دار دورته لنلقى، في مدينة القصير السوريّة، قبل أيّام، التتويج الأعلى لهذه الوجهة، رفعاً بالغ الاستفزاز لراية «يا حسين» على مسجد يحمل اسم عمر بن الخطّاب. وكي لا تُصاب «الوحدة الإسلاميّة» بأيّ وهن، يُعرّض «الأخوة» السوريّون في لبنان لموجة استهداف عنصريّ يرعاها «الأخوة» في «المقاومة».
فـ «الوحدة الإسلاميّة» الإيرانيّة إذاً لا تقوم على مناهضة تاريخ زائف وضعه الغرب المستكبر. إنّها، على العكس تماماً، أكثر من يستنطق ذاك التاريخ في أشدّ تأويلاته بشاعة وحضّاً على البقاء في ماضٍ ما، فضلاً عن الثأر لضحاياه أكانوا فعليّين أم وهميّين.
أمّا المخدوع فيُخدع مرّتين، مرّة حين ينخدع ومرّة حين يموت.
حازم صاغية/«الوحدة الإسلاميّة» الإيرانيّة
17
المقالة السابقة