عروبة الإخباري – حنين البيطار – شعور اختلط به الخوف والسرور ، وانا اجهز اوراقي وقلمي ، الخوف من اين ابدأ لأتوجه لمقابلة شخصية يكمن وصفها “بالسهل الممتنع “… طاهر المصري رئيس مجلس الأعيان.. ذلك السياسي المخضرم والذي يبحر فيك وانت تتحدث معه الى تلك التجربة السياسية التي عاشها خلال عمله وزيراً ورئيساً للوزراء وعيناً ورئيساً لمجلس الاعيان ..والابتسامه لا تفارق محياه .. المصري اثبت بحق نجاحه السياسي في عالم انقلبت فيه المعايير لتقييم الاشياء والأدوار.
وتالياً نص الحوار :
* كيف تنظرون الى مسيرة الإصلاح وهل هي كافية وما هي ملاحظاتكم عليها ؟
يجب أن نعترف بأننا تقدمنا خطوات في برنامج الاصلاح ، وأن ما حدث في بلدان عربية مجاورة إبتداءً من تونس ومصر درساً تعلمناه سريعاً ، وأجرينا الكثير من الاصلاحات …ربما نتائجها لم تظهر لغاية الان .. والسبب انها تأخذ وقتاً ويجب علينا ان نعي بأن المفهوم الإصلاحي طريق معبدة والاجراءات التي اتخذت جعلت الطريق معبدة لتسير على استكمال هذه الاصلاحات” .
*هل تؤيدون مقولة ان الاردن دولة ديمقراطية كاملة ؟
” دولة ديمقراطية كاملة الأوصاف هذا ليس صحيحاً ، لانه جلسنا اكثر من اربعين سنة بلا أحزاب وبلا إنتخابات حرة ، ومجلس الأمة أخذ شرعيته العامة وسلطته الدستورية لأسباب وظروف ، وتواجد دوائر متنفذة في الدولة اكثر من دوائر أخرى كلها جعلت عملية الاصلاح تسير، وما قمنا به يحتاج الى وقت كاف لامتصاص كل هذه السلبيات.
اعتقد أن المعيار هو قانوني ، اذا كان هناك قانون انتخاب كما يأمل الشعب ويوفر تمثيلاً حقيقياً للشعب ، وينمي روح المشاركة والمواطنة الصالحة وخلق الظروف المواتية لكي يكون الشعب في طريق صحيح ومتفهم لمن يصوت وكيف يصوت .
* هل تعتقد أن المعالجات المطروحة للقضايا الاقتصادية والإجتماعية ( صائبة ) وخاصة المتعلقة بحل بعض القضايا الإقتصادية عن طريق رفع الأسعار أو الغاء الدعم ؟
اعتقد ان الأفكار والخطط والسياسات المطروحة لتحسين الوضع الاقتصادي صحيحة ، ربما يكون هناك خلاف على بعضها مثل رفع الأسعار ، لكن الاجراءات العامة للبنك المركزي ولوزارة المالية والفريق الاقتصادي تسير بالاتجاه الصحيح ،الا ان المستلزمات الكافية لاصلاح الوضع الاقتصادي غير متوفرة ، فمثلاً مجتمعنا منذ زمن تحول الى مجتمع استهلاكي ..التوظيف كاسح.. وبالتالي استنزاف اجزاء كبيرة من موازنة الدولة ، وسياسة التقاعد تعمل على زيادة أعباء مخصصات التقاعد لتصبح ( مليار و200 الف دينار ) والحبل على الجرار… هناك امور غير ناجحين بها مثل تخفيف النفقات ، حيث الخلل في توزيع مكاسب التنمية بين المحافظات وبين المواطنين وهناك تقصير وتهرب ضرائبي وهناك فساد في الجهاز الإداري حيث الاسراف في الإنفاق والتوظيف الزائد عن الحاجة .
كما ان الإستثمار الأجنبي لم يعد كما كان عليه في السابق… هناك بعض الاسواق المفتوحة ..عمالة وافدة الى الاردن اكثر مما نحتاج ، كل هذه العوامل ليست مسؤولية وزارة المالية والبنك المركزي ، انما مسؤولية مجتمع في ظل دور حكومي لم يعد يأخذ شكله الصحيح .
يجب ان تقع المسؤولية على الجهاز الحكومي برمته وعلى السياسات الحكومية ، مع الاخذ بالاعتبار ان تركيز المجتمع على بعض القضايا الاجتماعية غير مفيد ايضا ، عند الحديث عن الاصلاح لا نتحدث فقط عن قانون الانتخاب هناك امور نحو الاصلاح كثيرة منها تنمية وتحسين دور البلديات وهذا نوع من الاصلاح .. البلديات متهالكة واوضاع المدن متهالكة وخدمات البنية التحتية متهالكة ايضا ، وكما نعلم ان 80% من سكان الأردن يعيشون في المدن وإذا ارتاحوا في مدنهم تخف مصاعب الناس وبالتالي ترتاح الدولة .
* متى تتوقعون تشكيل مجلس الأعيان الجديد ، خاصة وأن هناك مقاعد شاغرة ؟
مدة مجلس الأعيان هي اربع سنوات ومدة رئيس المجلس المعين من قبل جلالة الملك سنتين وجرت العادة بأن يكمل مجلس الأعيان مدته كاملة اربع سنوات باعتبار أن جلالة الملك هو الذي يختار ، وهناك قواعد للإختيار ومواصفات موجودة ، هذا الواقع يجعل مجلس الاعيان مستقراً في مدته وعمله اكثر من مجلس النواب، وبالتالي نحن لنا في مجلس الأعيان الحالي 16 شهراً وهناك إعتقاد بأنه عندما يكون مجلس نواب جديد يكون مجلس أعيان جديد وهذا ليس صحيحاً .
* ما تقييمكم لأداء مجلس النواب الحالي .. بحكم خبرتكم البرلمانية، وهل تعتقدون أن أداء مجلس النواب السابع عشر أفضل ؟
كما نعلم هناك مهمتان أساسيتان لمجلس النواب ومجلس الأعيان الى حد ما ولكن دعينا نتحدث عن مجلس النواب…. المراقبة والمساءلة والتشريع…في مجالس سابقة وظروف سابقة كان التشريع المهمة الأولى لمجالس النواب السابقة ، وهي التي يجب ان تطغى على مجلس النواب الحالي ، وكان يتراجع دور تلك المجالس الى حد ما بالمراقبة ، ولكن منذ انتخابات 1989م تزايد وتصاعد دور النواب في المساءلة ، ومنذ الربيع العربي ازدادت اكثر واكثر ، واصبح هم مجلس النواب الاول هو المساءلة بعد ما ازداد هم البلاد وساءت احوالها وانتشرت قضايا الفساد والتجاوزات جنبا الى جنب مع الوضع الاقتصادي الصعب وعدم الثقة ما بين المواطن والمسؤول ، فاصبح مجلس النواب يزيد من جرعته في المراقبة والمساءلة، وهذا ما هو حاصل نتيجة هذا الوضع ونتيجة ان مجلس النواب اصبح يضم 150 نائبا، وبالتالي كثرة العدد زادت المشاغلات والتساؤلات ونتيجة عدم وجود احزاب في مجلس النواب نرى ان هناك نوعاً من الفوضى تحت القبة.
يجب ان تستعاد الامور ، وأن يعود المجلس الى نهج نظامي منضبط اكثر ، لان مجلس النواب جزء من مجلس الامة ، الحجر الاساسي في العملية الاصلاحية وإدارة شؤون الدولة ، خاصة بعد ما التزم جلالة الملك بأن يكون مجلس النواب هو الذي يختار رئيس الوزراء ووعد بحكومات تسمى برلمانية .. انا شخصياً أسميها “حكومات حزبية” ليس برلمانية ، ربما هناك انتقادات كثيرة على مجلس النواب ولكن علينا أن نعلم بأن المجلس نتاج ( الصوت الواحد ) ويقع في تلك الظروف عدم وجود احزاب والخلل في الدولة اجبر المجلس بأن يركز على مفهوم المحاسبة .
مضى على عمر المجلس فترة ولم ينجز به اي قانون وتقصير النواب في عدم اقرار القوانين وانهماكهم في موضوع المساءلة والمحاسبة هو سبب تعطيل النواب ،وليس تقصيرا منهم ، بالاضافة الى ما يستجد من أعمال وجلسات رقابية …ولا ننسى ان هناك ما يقارب 90 نائبا جديدا لم يدخلوا النيابة سابقاً وبالتالي خبرتهم في العمل التشريعي قليلة.
وبرأيي الشخصي هناك أمور حكومية تنفيذية ليس من حق النواب مشاركة الحكومة بها وان لا يكونوا شركاء مع الحكومة، لان هذا يضعف دور مجلس النواب، ومثال على ذلك قرار رفع اسعار الكهرباء ، اذ انه رأي حكومي ووظيفة الحكومة ان تقوم بذلك ووظيفة المجلس أن يحاسب الحكومة .
* ما رأيكم في تدخل النواب بقرارات الحكومة وهل هذا يؤثر على اداء المجلس ؟
” برأيي الشخصي هناك أمور حكومية تنفيذية ليس من حق النواب مشاركة الحكومة بها ، وان لا يكونوا شركاء مع الحكومة ، واؤكد ان هذا يضعف دور مجلس النواب، ومثال ذلك قرار رفع اسعار الكهرباء ..هذا رأي حكومة ووظيفة الحكومة ان تقوم بذلك ووظيفة المجلس أن يراقب ويحاسب الحكومة “.
*هل السياسة الأردنية المعلنة من الأزمة السورية والقائمة على الحياد او النأي بالنفس هي سياسة صائبة ، وإذا لم تكن ما البديل ؟
سياستنا صائبة ، لكنها ليست قائمة على الحياد، بمعنى أنه ( ما خصنا ) ، نحن في الأردن متضررين جداً من الوضع السوري ، وأصبح الشعب السوري هو من يدفع الثمن كما حدث بالعراق سابقاً ، ونرى نتائج ما قام به الأمريكان بالعراق بعد إحتلال دام عشر سنوات ثم تقسيم العراق جغرافياً وطائفياً الامر الذي قد يتكرر في سوريا ، ولكن مع وجود قوى دولية مختلفة عن الوضع العراقي تتناحر وتتقاتل على الارض السورية ، ونحن في الأردن من يدفع الثمن ، لأنه يأتينا اعداد كبيرة من اللاجئين السوريين ، الامر الذي يشكل عبئا على المملكة، وخطرا على السياسة الأردنية …لذلك كان للأردن الدور الكبير بإقناع عدد مهم من الأطراف المعنيين ، كالإتحاد السوفيتي وأمريكا بانه لا بد من حل سياسي جذري للازمة السورية، وندعو لمفاوضات مع الاطراف المعنية حتى نصل لحل سلمي، واصبح هناك تقارب وتفاهم بين الروس والامريكان والاوروبيين على مؤتمر جنيف الثاني ، واعتقد أن جلالة الملك له اليد الطولى في الوصول الى هذا التفاهم ، ولذلك نحن لسنا حياديين وهناك بعض الاجراءات التي تتخذ من قبل الأردن لحماية اللاجئيين السوريين.
الأزمة السورية مفتوحة على جميع الأطراف، وعدم الاستقرار يمتد لدول الجوار، وسوف تدخل عوامل وقوى أخرى مثل ايران وحزب الله وتركيا والسلفيين وسيكون هذا سببا لفوضى عارمة في الداخل السوري وفي دول الجوار ومنها الاردن ، ولا ننسى ان اسرائيل موجودة على الساحة ومرتبطة مع الامريكان في هذه المعركة وايضا ايران موجودة وما زال التهديد الاسرائيلي الامريكي بضرب البرنامج النووي الإيراني والاردن يسعى لحل هذه الأزمات جميعها لخلق حالة من الاستقرار في المنطقة.
* هناك اتهام نيابي أحياناً لمجلس الأعيان بأنه يعمل على عرقلة القوانين التي يقرونها ، ما هو تعليقكم ؟ وما هو سر تأخر عدد من القوانين في الأعيان ؟
لا يوجد اي قانون متأخر في مجلس الأعيان..هذا اتهام غير صحيح ، جميع القوانين ندرسها ونأخذ بها قرارا بأن ترجع للنواب أو تسير في المراحل الدستورية لاقرارها ، ونحن لا نعرقل التشريعات ، فدورنا تشريعي حسب قناعتنا ولا يوجد معاندة في هذا الامر مع مجلس النواب ، ولكن هناك امور نعتبر أنها أصح فنعدلها ، وفي الحقيقة أن مجلس النواب يقبل من مجلس الأعيان كثير من التعديلات بعد ما يتم شرحها ، ولكن هناك قانون واحد يحتاج الى جلسة مشتركة وعندها ان أصرت كل جهة على رأيها لن يحصل اتفاق.. وهو قانون الجوازات وسبب اختلافنا كان على كلمة واحدة وهي وضع المهنة واللقب مع الاسم ، ورأي الأعيان لا يجوز بان يكون مع الاسم على الصفحة الأولى من الجواز .
* قيل أنه وفي جلسة الثقة الأخيرة لحكومة د. عبدلله النسور كان لدولتكم شخصياً ولمجلس الأعيان دور في نيلها الثقة من النواب ؟
غير صحيح.. لم أتدخل لا انا ولا أحد من زملائي الأعيان في موضوع الثقة ، ولكن ربما بعض الزملاء له رأي شخصي تبادله مع زميل له نائب في موضوع الثقة ، هذا يصفي أمراً شخصياً ، واتحدث عن نفسي شخصياً لم يكن لي أي تدخل لا سلباً ولا إيجاباً حيث ان موضوعنا حساس ومجلس النواب كان منقسماً بشكل واضح في موضوع الثقة وهم أسياد أنفسهم .
* يقال ايضا انه كان لكم دور في إنتخابات رئاسة مجلس النواب بين رئيس المجلس المهندس سعد السرور والنائب محمد الحاج ، وكنت تقف عاطفياً الى جانب السرور ما مدى صحة ذلك ؟
بدكم تدخلوا بعواطفنا.. لن اعلق على العواطف ، ولم يكون هناك اي تدخل ، حصلت ظروف معينة أثناء انتخابات رئاسة المجلس ورأي معظم النواب وكثير منهم أن هناك أمراً ما يُحال في موضوع الرئاسة وقرروا أن يتخذوا موقفاً ويصوتوا بثقة ما ، وبعض النواب انقسموا ليس مني أنا وهناك كثير من الانطباعات والتصورات المبالغ بها … إنني متأكد بأن بعض النواب فكروا بأن هناك مؤامرة ما تحاك وأرادوا أن يقفوا أمام هذا التصرف وصوتوا حسب قناعاتهم واعتقد بأن النواب مارسوا صلاحياتهم كاملة من دون تدخل أي جهات .
* أنتم أعيان جلالة الملك ، ومن المفروض أن يكون لكم دور تجاه ما يجري على الساحة الأردنية من فوضى وشغب واعتصامات، هل تحدثنا عن دوركم بهذا المجال ، اذا ما علمنا ان هناك جغرافيا في إختيار الأعيان على مستوى المملكة ؟
يوجد مراعاة للناحية الجغرافية في تشكيلة مجلس الاعيان لكنها ليست الاساس ، كثير من الاعيان مختارين لكفاءتهم رغم انهم محسوبين على المحافظات ، ومواصفاتهم وقدرتهم وتميزهم في مجال عملهم بالعاصمة عمان اسهم في اختيارهم لعضوية المجلس رغم انهم ابناء محافظات غير العاصمة .. المطروح هو الكفاءة والخبرة والأعيان محسوبين على مناطق خبرتهم وتعيينهم نشأ في العاصمة عمان ، وكل واحد مثل محامي او قاضي نشأ في عمان هو محسوب على الكرك او اربد او عمان … ومن يستطيع من الاعيان القيام بأي دور وطني في محافظته فلا بأس في ذلك .
* من خلال إطلاعكم وبحكم قربكم من جلالة الملك ، هل ستكون هناك حكومة برلمانية في دورة مجلس النواب المقبلة في تشرين الأول القادم؟
لا اعتقد بأن يكون هناك قرار بهذا الخصوص، ولا بد أن تصبح البنية التحتية للحكومات الحزبية موجودة ، حيث يوجد مبدأ يقوم على فصل السلطات ، اذا تداخل بشكل واسع اعضاء السلطة التنفيذية باعضاء السلطة التشريعية يضمحل أثر المساءلة والمراقبة ووجه جلالة الملك للنواب والحكومة بعدم توزير النواب في الفترة الحالية واعتقد بانه سيستمر لفترة الى أن تستكمل البنية الحقيقية لمجلس النواب ، ولا ننسى بأن هناك بعض النواب الجدد يحتاجون الى تعزيز دورهم النيابي قبل أن يشاركوا في الحكومة .
* هل بتقديرك سيتم إقرار قانون إنتخاب وأحزاب خلال الأشهر المقبلة ؟
نعم ، هناك حماس شديد من قبل كافة أبناء الشعب ومجلس الامة لاقرار قانوني انتخاب واحزاب عصريين ، والشعب الاردني مستعجل على تغيير مجلس النواب وفق قانون انتخاب عصري ويلبي طموحاته ، وإن شاء الله سيتم انتخاب مجلس نيابي قادم وفق قانون انتخاب جديد وعصري.