هزيمتنا في حزيران/1967، ليست حادثة واحدة محصورة في الزمان والمكان، بل هي إحدى هزائم حرب استمرت، اليوم، لسبعة عقود، كانت إصاباتنا في أي مواجهة منها لا تقل عما لحق بنا منها في حزيران ذاك، وبنتائج خطيرة تراكمت علينا مع الزمن، تكاد تشل حركتنا.
نُعَدِّد بعضها: احتلال كامل الأرض الفلسطينية واستيطانها؛ ومحاولة إخضاع شعبها المستمرة؛ وإطالة أمد الصراع لإتعاب العالم من تعقيداته ليقبل، نهاية الأمر، بالوضع الراهن وبسياسة الاقتصار على إدارته من يوم ليوم؛ وإخراج مصر وكلا دولتي العراق وسوريا من ساحات الصراع؛ وشل قدراتها حتى على إعادة البناء؛ وتدمير كلا النظام الإقليمي العربي والجامعة العربية؛ وخلق حالات صراعية جانبية تجر لها أية دول عربية قريبة منها لتستنزف قدراتها فيها.
وقد استخدم العدو في معاركه تلك أسلحة متنوعة تتناسب والحالة أمامه: فاستخدم السلاح العسكري، بما لها من قوة تدميرية متفوقة، مرات محدودة، زارعا النسيج الرخو، في ثقافة المنطقة السياسية، أثناء ذلك، بسلاح هو أشبه بمرض عضال يعمل بتلقائية خاصة به، طوال الوقت.
أدخلنا، بمساعدته وتحريضه، أكاذيب، في حياتنا السياسية والثقافية، وأوهاما بالقوة العربية الذاتية، وأن الأمة العربية قادرة على هزيمة أي عدو، لولا غدر بعضنا وإفشال جهودنا في الوحدة. وعلى هذا صعد فينا أبطال ألَّهناهم، وآخرين شتمناهم، فانقسمت الأمة بين تقدمي ورجعي، ودخلنا في حروب عربية داخلية لم تنته بعد؛ وظهر، نتيجة لذلك، طغاة مقدسون سامونا سوء العذاب.
وقد سهل ذلك على العدو النفوذ في «فورات» الربيع العربي لتدمير شعوب ودول، ما تزال تدمر باستهداف كل ما كان قد بني، فيها، من قبل، أثناء تحركها الطبيعي نحو المستقبل.
ولكي لا تتوقف الحرب الشاملة، تدخل العدو وحلفاؤه ببناء قوة تدمير ذاتية داخلية في كل بلد عربي بما يناسبه، أولا، بدفع عملائه للوصول، في البلد المعني، لمواقع صنع القرار، وإفساده وإضعاف قدرته على المقاومة؛ ثانيا، استهداف المواطن نفسه بخلق حالة من عدم الثقة بين الحاكم والمحكوم، وشل قدرته كفرد وكعضو في مجتمعه المدني على المساهمة في صنع حياة سياسية صحيحة يمكن لها بشيء من الثقة أن تتطور لتعيد للبلد المعني ولشعبه بعض هذه القدرات؛ ثم، ثالثا، تقسيم المنطقة، عموديا، على أسس طائفية بحيث لا تنتهي الحرب الداخلية في أي بلد، ما لم يكن الوارث لها حربا إقليمية أوسع؛ ثم، أخيرا، زرع السخرية فينا من نظرية المؤامرة؛ وأن كل هذا طبيعي فينا، فلا نعود نحاول الوصول لجذور المشكلة.
نحن في خضم حرب ضروس مستمرة، فلا فائدة من الوقوف أمام تفصيل صغير من هزائمنا فيها، ما لم يكن ذلك جزءا من وقفة مراجعة شاملة لكل أسباب تلك الهزائم.
أظن أننا، في الأردن العزيز الغالي، نفعل ذلك ونصمد دائما الصمودا الذي نفخر ونعتز به، بكل ما يمثله من عقبة تعترض طريق العدو في تحقيق أهدافه الاستراتيجية في فلسطين والمنطقة، كلها. ولهذا هم يستهدفوننا، دائما. نظرة واحدة لما يجري، حولنا وبيننا، تثبت ذلك.
نثق بذكاء شعبنا وصلابته في المقاومة والانتصار وقدرته على إفشال كل المخططات العدوة. كما فعل في كل مواجهاته معها.
فالح الطويل/وقفة لمراجعة.. وليس ذكرى
23
المقالة السابقة