عندما وقف بشار الاسد خطيباً في مجلس الشعب بعد تكسير اصابع اطفال درعا وانفجار الثورة ليصف المعارضين بأنهم “حفنة من الارهابيين المأجورين”، قالت واشنطن انه “رئيس منفصل عن الواقع”، وعندما وصلت النار الى تخوم قصره في دمشق وخرج يتحدث عن الانتصار و”سحق التكفيريين” بدا فعلاً انه منفصل كلياً عن الواقع، وعندما تحدث الى قناة “المنار” حلّق بعيداً بعدما تجاوز عدد القتلى 80 الفاً والجرحى مئات الآلاف، اما اللاجئون فبالملايين، ليبدو معزولاً داخل شرنقة يحرسها الايرانيون والروس!
الآن قياساً بالمواقف الاقليمية والدولية يمكن الجزم ان الجميع في حال انفصال عن الواقع السوري الكارثي، وهو ما ينذر بأن الازمة ستطول وان فصولها المتوحشة ستستمر حتى آخر نقطة دم وآخر حجر على حجر. اميركا منفصلة عن الواقع ليس لأن جون كيري يقول ان واشنطن تأخرت عن المشاركة في الحل والحقيقة انها تقاعست عنه، متعمدة وصول النزاع الى معادلة تدمير الدولة من جهة وقتل المزيد من المتطرفين من جهة ثانية، فعلى امتداد 27 شهراً من حمامات الدم بدا باراك اوباما منفصلاً عن التطورات الدراماتيكية المرعبة وهو يتراجع عن دعواته اليومية الى تنحي الاسد ليمنع تسليح المعارضة ويتركها مكشوفة امام الطيران والدبابات بما يستجلب مزيداً من الاسلاميين الى “المسلخ السوري”!
روسيا في قمة التآمر منذ البداية وقد اقفلت مجلس الامن لمنع المجتمع الدولي من التدخل ثم راحت تشتري الوقت تلو الوقت للحل العسكري الذي يعتمد على سلاحها وقذائفها وجسرها الجوي لدعم الاسد، ثم تمترست امام تفسير عجيب لمؤتمر جنيف يقضي بوضع القتيل في مواجهة القاتل على طاولة واحدة وإن ادفنوا قتلاكم وتعالوا الى بيت الطاعة الاسدي، والدليل انها تتمسك الآن بأن تتخلى المعارضة عن شرطها إبعاد الاسد قبل المؤتمر، هذا في حين يدعو كيري الى ما يساوي الهرطقة عندما يرى ان على الطرفين وحدهما ان يتفقا على الذهاب الى جنيف وهذه قمة الانفصال عن الواقع!
إيران منفصلة عن الواقع اذا ظنت ان حظوظها مع اذرعها العسكرية اللبنانية والعراقية في سوريا، ستكون افضل من حظ اميركا في فيتنام ثم في افغانستان فالعراق، والجامعة العربية منفصلة عن الواقع عندما تكتفي بمنح المعارضة مقعد سوريا من دون ان تقوم مثلاً باستدعاء السفراء العرب في موسكو وبيجينغ احتجاجاً، وان تهدد عملياً بقطع العلاقات مع روسيا التي تقوم على حراسة مذبحة العصر.
كوفي انان كان منفصلاً عن الواقع وقد خضع طويلاً لإملاءات سيرغي لافروف والاخضر الابرهيمي، اكبر المنفصلين عن الواقع، وهو يراهن على سراب “الحل المستحيل” بينما الكارثة الزاحفة هي الواقع الوحيد!