حلّت الذكرى السادسة والأربعون للخامس من يونيو المشئوم عام 1967، يوم احتلت إسرائيل الجزء المتبقي من فلسطين وأراض عربية أخرى ما زال قسما منها محتلا رغم السنوات والعقود الطويلة.
إسرائيل وبدلا من الانسحاب من كافة المناطق المحتلة في ذلك العام، قامت بضم القدس وهضبة الجولان العربية السورية وتعتبر الضفة الغربية (يهودا والسامرة). ما زالت تصادر الأرض وتزرعها بالمستوطنات والجدار العازل الذي جعل من مدننا وقرانا سجونا محصنة، ما زالت تحاصر قطاع غزة وليس في الأفق ما يشي بأنها ستنسحب، لا من الأرض الفلسطينية ولا العربية. للأسف الوضع الفلسطيني في أبأس أحواله: الانقسام هو السائد وما من أمل بانتهائه وتجاوزه والولوج إلى المصالحة! الوضع العربي ليس بأفضل حالا من الوضع الفلسطيني، وكلاهما يتمسك بالمفاوضات كإستراتيجية لعودة الحقوق.
إسرائيل تتشدد يوما بعد يوم وتفرض المزيد من الاشتراطات على الفلسطينيين والعرب وخاصة الاعتراف بيهودية دولتها. إسرائيل التي تتسلم الحكم فيها، حكومة شديدة التطرف تعاملت بهزء وسخرية مع مبادرة عربية تقترح وتوافق على تبادل طفيف للأراضي على حدود عام 1967. من قبل رفضت حكومة شارون في عام 2002 ما سمي بمبادرة السلام العربية التي أطلقتها قمة بيروت في ذلك العام.
رغم كل الأوضاع غير المشجعة والتي تفتح المجال واسعا للإحباط، فإن شعبنا يصر على العودة ولا يزال وسيظل متمسكا بها، إنه الإصرار على ممارسة حق لا ولن يسقط بالتقادم. من السهل على شعبنا التضحية بالنفس في سبيل الوطن والعودة إليه. لا نقول كلاما شاعريا طوباويا وإنما نكتب عما تختزنه الأجيال الفلسطينية في نفوس وعقول أبنائها وتورثه للأجيال الفلسطينية القادمة والتي لم تنس ولن تنسى فلسطين. الأمة العربية بكاملها من المحيط إلى الخليج لا تزال وستظل تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية ولا تزال وستظل تطالب بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر كاملة غير منقوصة.
46 عاماً تفصلنا عن ذلك النهار المشئوم، يوم انكسار أحلام الفلسطينيين والجماهير العربية في تحرير فلسطين، هذا الشعار الذي حملته الأمة العربية طويلا منذ عام 1948 يوم ضياع الجزء الأكبر من فلسطين حتى ذلك العام وهو بدء حرب يونيو.
أعوام طويلة تفصلنا عن يوم الهزيمة، حين استطاعت إسرائيل احتلال ما احتلته. جاءت بعدها استقالة الرئيس الخالد جمال عبد الناصر لتزيد من طعم مرارة النكسة. عدوله عن استقالته أحيا أملاً جديداً في الأمة العربية بإمكانية تجاوز النكسة على طريق الانتصار. انتظرت الجماهير العربية لحظة بلحظة تلك الساعة التي نتمكن فيها من هزيمة إسرائيل. جاءت اللحظة في معركة الكرامة وفي حرب عام 1973 حين أثبت الجندي العربي قدرته على تجاوز المحنة والوصول إلى النصر. للأسف لم يُمهل القدر عبد الناصر الذي خاض حرب الاستنزاف وكان قد توفاه الله في عام 1970، ولم يشهد عبور الجيش المصري لقناة السويس وتدمير خط بارليف الإسرائيلي، الذي صوروه بأنه كخط ماجينو، بل تفوق عليه.
للأسف أيضاً، لم يكتمل الانتصار في حرب عام 1973 التي أرادها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، أن تكون حرب تحريك لا حرب تحرير.
جاءت بعدها المباحثات المصرية مع (العزيز) هنري كيسنجر، وكانت اتفاقية كامب ديفيد المشئومة التي أخذت الدولة الأقوى عربياً من دورها في التصدي للدولة الصهيونية، ثم جاءت اتفاقية أوسلو وبعدها اتفاقية وادي عربة. تصور الإسرائيليون بعدها أن وجود دولتهم المغتصبة أصبح أمراً واقعاً، وأنهم بانتظار العرب كي يخروا على ركبهم راكعين وصاغرين وطائعين أمام الإرادة الصهيونية، مثلما انتظر وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه دايان في عام 1967، حين توقع مكالمة الاستسلام من الرئيس عبد الناصر.
فشلت التوقعات الإسرائيلية وأصر الفلسطينيون والعرب على رفع شعارات تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. ردا على الهزيمة انطلقت الثورة الفلسطينية التي بدأت شرارتها في عام 1965، أيام عز الثورة… كانت شعارات تحرير كل الأرض الفلسطينية تبدو وكأنها خارج التاريخ والزمن، بدت طوباوية وغير قابلة للتطبيق. وما هي إلاّ سنوات تُعتبر قصيرة في عمر الزمن حتى جاءت الحراكات الجماهيرية العربية التي انزرع فيها شعار تحرير فلسطين ليتعمق من جديد في أذهان وعقول العرب، الأمر الذي يشي بأن الصراع العربي-الصهيوني سيعود إلى مربعه الأول وإلى منطلقاته السابقة. ذلك لا نقوله تسلية ولا قفزاً عن الواقع، فالأمة العربية في تظاهراتها التي جرت بمناسبات عديدة، جعلت من شعار تحرير فلسطين شعاراً رئيسياً ومركزياً لها، كما شاركت أبناءها وإخوتها الفلسطينيين في مسيراتهم التي انطلقت نحو الحدود مع الدولة الصهيونية، في دول الجوار العربي، المحاذية لأرض فلسطين التاريخية، مما جعل إحياء الذكرى في الأعوام الأخيرة مسألة مميزة في دلالاتها، إن من ناحية تمسك الفلسطينيين بحق العودة إلى بلدهم وإلى أراضيهم ومدنهم وقراهم، أو من حيث ممارسة الجماهير العربية لدورها في الصراع. هذا الدور الذي جرى تغييبه كثيراً.
ينذهل العدو الصهيوني من الإصرار الفلسطيني على حق العودة والتمسك الجماهيري الفلسطيني والعربي بتحرير فلسطين، لذلك تقدم مندوبون عديدون إلى الكنيست مؤخرا بمشروع قانون يهدف إلى رفض حق العودة للفلسطينيين، صحيح أن إسرائيل رفضت حق العودة منذ تأسيسها، لكنها المرة الأولى التي تعمل فيها على سن قانون تشريعي يقونن رفض هذا الحق.
إسرائيل تهدف إلى إزالة كافة العقبات في طريقها لتعزيز هدفها في جعل إسرائيل “دولة يهودية” بما يعنيه ذلك من تداعيات خطيرة على الفلسطينيين وبخاصة في منطقة عام 1948. هذا يجعلهم مهددين بمزيد من الانتقاص في حقوقهم وصولا إلى إمكانية طردهم من وطنهم، وغيرها من التداعيات الخطيرة على أبناء شعبنا في كل أماكن تواجده، إسرائيل ستعتبر تحقيق شعار “يهودية الدولة” مقدمة لإنشاء حلمها الصهيوني في دولة إسرائيل الكبرى.
رغم المجازر والقوانين التعسفية: أصّر الفلسطينيون على إحياء الذكرى في المدينة المقدسة وفي باقي الأراضي الفلسطينية بما فيها منطقة 48، وفي الشتات أيضا. شعبنا وأمتنا يفهمان الذكرى على أنها محطة لتجديد الوفاء والإصرار على تحرير فلسطين ولن يضيع حق يقف وراءه مطالبون.