تستعر الحرب في سوريا، هذه الأيام، وتدمر وتقتل كل ما ومن يقع في مداها من هذا البلد المكنوب. غني عن القول أنها، بما تكشفت عنه، أخيرا، حرب طائفية يشترك فيها، مباشرة، وجنبا إلى جنب، الحرس الثوري الإيراني، و»حزب الله،» وكتائب النصيرية في الجيش النظامي السوري وشبيحته من متطوعي هذه الطائفة. إنها حرب جديدة لم يحدث أن وقعت، في بلادنا، مثلها منذ الاجتياح البويهي للعراق وبلاد الشام كلها، سنة/931 ميلادية، وامتدت لما يزيد على قرن من الزمان.
وهي حرب تنفتح، فيها، خطوط المواجهة، على شكل هلال شيعي، شئنا ذلك أم أبينا، يتقوس ليضم كل الشاطئ الشرقية للخليج العربي وكل العراق وكل سوريا، وحتى شواطئ البحر المتوسط في الجنوب اللنباني.
يشير محاربو هذا الهلال، من خلال ما يمارسون من حقد وتدمير يوقعونه فيمن يعتبرونهم أعداء، أن حربهم هذه حرب وجودية، سواء بالنسبة لهم، في سوريا، أم للبويهيين الجدد ومصالحهم في المنطقة العربية شرقي السويس. لذلك نراهم، في كل نقاط اشتباكهم، يستهدفون، بسلاحهم، المدنيين، بشكل خاص، بقصد إبادتهم أو إخراجهم من المواجهة كلها، وبصورة لم يعودوا فيها قادرين على التوقف. بل إن توقفهم أصبح أمرا غير عادي لا يعرفون له مخرجا.
هذه الحالة التي وصل إليها الصراع، تجعلنا نرحب، وبكثير من الأمنيات، بمحاولات العالم المتحضر، عبر مؤتمرات واجتماعات أصدقاء سوريا، ومؤتمر جنيف الثاني، الوصول إلى حل سلمي ما بقي في الوقت متسع، وهو الحل الذي صارت شروط نجاحه معروفة للجميع.
ومن هذه الشروط قبول الأسد الخروج، وأعوانه، من البلاد وتسليمها لحكومة انتقالية، بأشراف عربي دولي مشترك. ولكي يفعل، لا بد من أن يتأكد من أن ثمن الرفض، أو محاولات الالتفاف على المشروع، أكبر من أن يتحمله. لقد فعل ذلك أكثر من مرة، أولا، في مشروع الجامعة العربية للحل السلمي ثم في مشروع ألأخيرة مع الأمم المتحدة. وهو، بكل تأكيد، سيحاول، مرة ثالثة، مع جنيف 2، لا يجب أن ينجح هنا.
من المعروف أن روسيا والصين لم تشاركا في اجتماعات أصدقاء سوريا في عمان. هناك من يعتقد أن روسيا صارت، كسالفتها أيام الحرب الباردة، ترى أن الاستقطاب، في غرب آسيا، يخدم مصالحها في هذا العالم متعدد الأقطاب. وهو نمط صراع خدم الاتحاد السوفيتي ومصالحة لأربعين عاما تقريبا ما بين سنتي 1953- 1991. فلماذا لا يفعل ذلك الآن؟ وهو، بالطريقة التي يتشكل فيها، نمط مجاني غير مكلف. فلماذا لا تستفيد منه موسكو اليوم، كما فعلت سالفتها من قبل؟
هذه الحقائق الثقيلة لا تغيب عن المشاركين في المؤتمر. كما لا يغيب عنهم أنه لا الشعب السوري ولا العرب بقادرين على إنهاء الصراع لصالح السلام والاستقرار في المنطقة قبل فوات الأوان. ولذلك فإن عليهم العمل بجد وبسرعة لتحقيق النتائج المرجوة من مشروعهم في الحل السلمي المطروحة تفاصيله، الآن، والتي تبدأ من إقامة حكم انتقالي في سوريا يمكنها من إعادة بناء نفسها من جديد وعلى أسس جديدة. ذلك هو الهدف، فهل نستيطع تحقيقه؟
فالح الطويل /جنيف الثاني
16
المقالة السابقة