وفق الطريقة الممانعة في تأريخ الأحداث، تلقّت إسرائيل خلال فترة 2000 – 2008 ثلاث هزائم جبّارة: مع الانسحاب الأحاديّ من لبنان في 2000، وفي الحرب مع «حزب الله» في 2006، ثمّ في الحرب مع حركة «حماس» في غزّة في 2008.
الهزائم تلك قابلتها انتصارات حصدها مَن نازلوا إسرائيل، فجاءت انتصاراتهم، كما هزائم الإسرائيليّين، مُزلزلة وتاريخيّة واستثنائيّة وإلهيّة، تبعاً للأوصاف التي سبق أن أطلقها تباعاً السيّد حسن نصرالله، الأمين العامّ لـ «حزب الله». ومُجلّلاً بأفعل التفضيل امتدّ وصف الهزائم والانتصارات إلى ميدان الأغاني التي قالت إحداها إنّ نصر نصر الله «هزّ الدني».
لكنّ السؤال البسيط الذي يستدعيه هذا التأريخ: هل يعقل أن تنهزم الدولة العبريّة ثلاث هزائم في هذا الحجم الهيوليّ في غضون ثماني سنوات لا أكثر، وأن تبقى على قيد الحياة؟ بل هل يمكن أعتى امبراطوريّات التاريخ أن تحصد ثلاث هزائم مطنطنة في خلال ثماني سنوات وتبقى حيّة تُرزق؟
لا شكّ في أنّ طريقة التأريخ هذه تكشف عن خلل ما في التعريف الذي أعطاه الممانعون، وما زالوا يعطونه، للانتصار وللهزيمة ولمصطلحات كثيرة أخرى. وهذا ما يجعل من الضروريّ مراجعة الأمر كلّه، خصوصاً أنّ إسرائيل، المصابة بهذه الهزائم المدوّية كلّها، استطاعت قبل أسابيع فقط أن توجّه ضربة جويّة قاصمة إلى سوريّة لم يُردّ عليها حتّى الآن!
وما يزيد في الطلب على مراجعة كهذه، أنّ السيّد نصرالله نفسه وعد حزبه ومناصريه مجدّداً بانتصار آخر يأتي هذه المرّة من القصير في سوريّة.
والحال أنّ هذا النصر الموعود غير قابل للتحقّق لكنّه، وهذا هو الأهمّ في مجالنا هذا، سيكون عصيّاً على التسويق نصراً جديداً. ومن غير دخول في المساجلات العسكريّة والتقنيّة، سيكون من تاسع المستحيلات إلحاق هزيمة بشعب في بلده، فيما الأفق الوحيد المتاح لحرب كهذه توسيعُ رقعة النزاع الطائفيّ وتسعيره. وما دام «حزب الله» قد عبر الحدود، سعياً منه للانتصار على سكّان القصير ومناطق سوريّة أخرى، بات عبور الحدود مشاعاً للجميع في صراع دمويّ مفتوح.
ما يعنيه هذا، بين أمور أخرى، أنّ الحزب وجمهوره سيضطرّان إلى تسمية الأمور بأسمائها، ولسوف يحصل انزياح متزايد من لغة التصدّي لإسرائيل وأميركا والتكفيريّين إلى لغة شيعيّة صريحة في كرهها السنّة تقابلها لغة سنّيّة لا تقلّ صراحة في كرهها الشيعة.
والانزياح اللغويّ، وعلى رغم جارحيّته الواقعيّة، صار مطلوباً من أجل أن نصدّق الكلمات التي تقال. أفلم يقاتل الحزب إلى جانب التكفيريّين في العراق (والبوسنة والهرسك، على ما علمنا مؤخّراً) قبل أن يقاتل التكفيريّين إيّاهم في سوريّة؟ بل ألم يبرع مؤتمر شهير عُقد في طهران في ترجمة اسم «سوريّة»، كلّما ورد ذكره، بـ «البحرين»؟
نريد دولة لبنانيّة قويّة… نقاتل إسرائيل… نهزم إسرائيل مثنى وثلاثاً… نواجه التكفيريّين… ننخرط في العمليّة السياسيّة في لبنان… ندافع عن الشعب السوريّ… نحبّ ميشال عون وتيّاره…، هذه كلّها عبارات تتعدّد مناسباتها وتتفاوت أهميّتها، لكنّها كلّها تشترك في أمر واحد هو افتقارها الكامل إلى الصدق. أمّا الصدق فليُبحث عنه في الرغبات الطائفيّة وفي امتداداتها السامّة العابرة الحدود!
حازم صاغية /نصرالله: الكلمات والمقاصد
14
المقالة السابقة