لم يكن وزير الخارجية الايراني الذي حاول أن يستعرض دبلوماسيته من خلال مضمون الترهيب والترغيب مسروراً في أعقاب زيارته للأردن فقد جاءه رد وزير الخارجية ناصر جودة واضحاً ومباشراً حين وضع له كثير من النقاط على الحروف وطالبه بإعادة قراءة الموقف الايراني الذي ظل يعتقد أنه يمكن ممارسة أسلوب الابتزاز على الأردن، نجحت الدبلوماسية الايرانية وأساليب أخرى جرى ممارستها في طهران في امساك مصر من يدها التي تؤلمها ولذا كان هناك تأثر على الموقف المصري جعله في وضع مختلف عما كان عليه وخاصة في الموضوع السوري..
المحاولات الايرانية بصدد احداث متغيرات في الموقف الأردني فشلت حين اكتشف الايرانيون رغبة الأردن الواضحة في ايجاد حل سياسي واضح ويقبل القسمة والتشارك مع المجتمع الدولي للقضية السورية ويدعو إلى حل يوقف تدمير سوريا ونزيف دم شعبها وكان الرد الأردني أن الايرانيين لا يستطيعون أن يأكلوا الكعكة وان يحتفظوا بها في نفس الوقت وأن شراء الوقت لنظام الأسد ليبقى لهم وتظل هيمنتهم من خلاله في المنطقة لن ينجح بهكذا أسلوب..
جاءت المفاجأة الايرانية أمس الأول حين أدرك وزير الخارجية الايراني صالحي أن الموقف الاردني يفتح على الموقف الدولي ويعكس بحيادية ووضوح مكونات هذا الموقف الدولي، وأن الموقف الاردني وكما مثله وزير الخارجية جودة يعكس قلق الأردن من الدور المغامر الذي مارسته وتمارسه ايران في المنطقة سواء ازاء استمرار احتلالها لجزر الامارات الثلاث وادعائها أنها من ملكيتها وكذلك استمرار تدخلها في شأن البحرين الشقيقة وادعائها أنها لا تتدخل فقد وضع الاردن معطيات أمام الوزير الايراني تثبت عكس ذلك كان قد اطلع عليها ودونها أثناء زيارة الشيخ خالد آل خليفة وزير الخارجية البحريني قبل أسبوعين.الردود الأردنية على الوزير الايراني فاجأته وكان فيها تحذير هادئ لايران يعكس حرص الأردن على عدم اعطاء ايران المزيد من الذرائع للمجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الامريكية للقيام بضربة لإيران ظل الأردن يحذر منها لأن وقوع مثل هذه الضربة الواسعة من شأنه أن يعيد خلط الأوراق في المنطقة كلها وتعريضها لحريق مستمر لا يبقى فيها أي مجال للاستقرار والسلام..
الموقف الأردني كما عبر عنه الوزير علناًُ وفي المؤتمر الصحفي وحتى في اللقاء المغلق وعبر الاتصالات التي جرت مع وجود الضيف صبت كلها في اعطاء ايران صورة حقيقية عن التحولات الجديدة وعن المعطيات التي بدأت القوى الدولية تشير اليها في الموقف الايراني وهي معطيات تجعل ايران تتجاوز الخطوط الحمراء سواء في سياساتها المستمرة وتحالفها مع النظام السوري ودفعها لعناصر مقاتلة لبنانية وعراقية إلى سوريا أو في موقفها من نشاطها النووي الذي ستعتبره القوى الغربية مدخلاً للضربة الايرانية والتي تعمل اسرائيل على احداثها واقناع الامريكيين بذلك أو تفويضها لتقوم بذلك في ظل حماية غربية بعد أن حصلت على تفويض للقيام بضربتها الأخيرة الى سوريا..
لم يسمح ناصر جودة للوزير الضيف بالمزايدة على الموقف الاردني والعربي في موضوع العدوان الاسرائيلي على سوريا من منطلق أن هذه المزايدة أرادت احراج الأردن ودول الجوار العربية وكذلك المقاومة السورية فجاء رد الوزير جودة ذكياً جرى التعبير عنه بأسلوب دبلوماسي وكان على الايرانيين أن لا يذهبوا الى المزايدة والشعارات وان يتعاملوا مع الواقع اذ لا يمنعهم أحد من دول المنطقة في أن يردوا على اسرائيل ولا يمنع أحد من دول المنطقة كذلك في أن تدافع سوريا عن نفسها وأن تسمي الزمان والمكان الذي سترد فيه بدل أن تفتح قائمة تسجل فيها ذلك منذ عقود من الزمن وخاصة منذ احتلال اسرائيل للجولان السوري عام 1967..لا ينفع نظام دمشق الآن أن يقاتل بفصيل أحمد جبريل على حدود الجولان..فحروب الوكالات التي مورست عبر لبنان جاء دفع ثمنها بقتال حزب الله السوريين في دمشق ودعم المقاومة رأيناه في كيف يتحول فصيل فلسطيني للاعتداء على اهله في مخيم اليرموك..
ولأن حبل الكذب قصير ودبلوماسية شراء الوقت للنظام السوري مفضوحة فقد عاد الوزير الايراني خائباً ولم تنجح أساليب المقايضة التي عكستها الجزرة فلم يشتر أحد هذه البضاعة وهو يعرف كيف تفكر ايران