الزيارة الملكية الأخيرة للولايات المتحدة والتي التقى فيها الملك مع الرئيس أوباما عكست قدرة الأردن على الحركة وسرعة تبديل موقعه ليأخذ مكانه الفاعل وسط منطقة تزحف فيها الرمال ويصبح التهميش بل التغيير والعصف المستمر بالاستقرار هو العنوان..
أثبت الأردن قدرة كبيرة على الحركة فقد استطاع أن يلعب دوراً ملموساً في تجديد اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة وبالتالي إعادة تسليط الضوء على قدراته وأهليته للمساهمة بشكل فاعل في ايجاد الحلول وتحريك الأزمة والخروج بها من الإدارة إلى الحل.
كثيرون في الاقليم والمنطقة كانوا يعتقدون أن الأردن الذي عانى أوضاعاً اقتصادية واجتماعية وتأثر برياح الربيع العربي قد فقد دوره أو أنه سيغرق في خضم التطورات..ولكن الأردن نهض بسرعة وعمل على اصلاح كثير من جوانب التكوين الداخلي وقطع مسافة في ذلك ووضع عينه على تطورات الحالة الدولية تجاه شؤون المنطقة وراح يتصرف بمسؤولية وحذر ازاء الوضع في سوريا ويتحمل الكثير من أعراض الأزمة ليؤكد أنه دولة تتعاطى مع القضايا الدولية والانسانية بانفتاح وكفاءة تؤهلها ان تكون شريكاً فاعلاً..ولذا جاءت زيارة الرئيس أوباما للاردن لتؤكد على ذلك وتعطي الموقف الأردني دفعة كبيرة في التأييد السياسي والاقتصادي وترى فيه شريكاً قادراً على المساهمة في منطقة تراجع دور دولها حتى الأساسية منها في ان تتماسك وتنهض وتعمل.
كان الأردن حذر النظام السوري من مغبة مضاعفات ما يقترفه من ممارسات ازاء شعبه وأرسل مبعوثين لذلك ولكن نظام الأسد أمعن في العنف واستعان بتحالفات تشجعه على ذلك وبالتالي عمل على تدويل الأزمة السورية التي تلوثت بدخول مجموعات ارهابية وحركات أصولية وتكفيرية حتى غدت سوريا على الصورة التي هي عليها الآن والتي لا بد أن تخرج منها حتى لا تتفتت وتتمزق وتدخل حالة الصوملة والاحتراب الطائفي..
ذرائع النظام السوري واتهاماته للأردن باطلة حين تقول هذه الذرائع أن الأردن يسمح بدخول مقاتلين ومسلحين من أراضيه دون أن يذكر ان الأردن عمل على مقارعة الحركات الأصولية والمتطرفة فقد قاتل في أفغانستان وان بجهد محدود وفي العراق حين عمل على قتل الزرقاوي وتحجيم كثير من قوى التطرف ومنعها ومطاردتها على ارضه في تفجيرات عمان وهو على استعداد لدفع هذه القوى ومواجهتها حتى على الأرض السورية منعاً لانتشارها ومساهمته مع المجتمع الدولي في تحجيمها في حين أن ممارسات النظام السوري هي التي أطلقت هذه القوى من قمقمها وهي التي شكلت عامل جذب لتدفقها إلى سوريا.
نظام الأسد قد يسقط مع الشهر السادس القادم والفراغ الذي يتشكل خطير حين لا يفلح المجتمع الدولي في ضمان انتقال سلمي للسلطة وبالتالي لا بد أن يدفع الأردن تحديداً عن نفسه بلاء التطورات وقد يقود هذا لاحقاً الأردن للتدخل لمواجهة ذلك وحفاظاً على أمن شماله وعملاً من أجل نقل اللاجئين السوريين الذين زادوا عن نصف مليون من شمال الأردن إلى جنوب سوريا وتوفير الحماية لهم وهذا يستلزم غطاءً عربياً ودولياً للمهمة الأردنية فهل يحصل الأردن على «طائف» عربية جديدة من الجامعة العربية وعلى غطاء وضمانات دولية للقيام بهذه المهمة الانسانية التي تمكنه من مشاركة المجتمع الدولي في بناء منطقة آمنة في جنوب سوريا يستلزمها حماية واجراءات واسعة دولية سواء مناطق حذر طيران او عزل أو امداد لوجستي واسع وفي البعد الآخر من يحمي دمشق في حال سقوط النظام وهل يكون للأردن الدور والصلاحية في ذلك؟ فقد كانت القوات الأردنية هناك عام 1973 للدفاع عن دمشق وكان الجيش العربي أول من عبر إلى دمشق عام 1918 بقيادة فيصل الأول لبناء المملكة العربية (1918-1920) والتي دمرها المستعمرون الفرنسيون في معركة ميسلون.
الخشية هي من استمرار المعارك على الأرض السورية حتى بعد رحيل الأسد وهنا لا يستطيع الأردن شأن المجتمع الدولي أن ينأى بنفسه على ذلك لأن الخطر يستهدفه..فهل يكون الأردن هناك وما الثمن؟ وهل سيواجه المجتمع الدولي مقاتلي حزب الله في سوريا الذين سيواصلون القتل أم أن المجتمع الدولي سيضع حداً لنفوذهم وما هي الأدوات لذلك ؟ وهل سيجري تسليح السنة في لبنان وحلفائهم المسيحيين لمحاصرة حزب الله؟..
إن الاسراع في احتواء الأزمة السورية الخطيرة وإعادة انتاجها ايجابياً سوف يمكن من فتح ملف التسوية للقضية الفلسطينية بمعطيات أخرى جديدة بدأت ملامحها في التعاون العملي الأردني الفلسطيني في هذا المجال وهو تعاون يجري دعمه من المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية الحالية..كل المكونات في المنطقة برسم التحرك والخلط..فالضربة لايران قد تفتح أبواب جديدة خطيرة ويبدو أن التحضيرات بدأت وأن الحل في سوريا جزء من ذلك..هذه المرة علينا أن ننتبه جيداً والأردن بقيادته ظل يحذر ويتقن كيف يوظف دوره إيجابياً وبشراكة تنسجم مع المجتمع الدولي..
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب/قراءة في زيارة لها ما بعدها
9
المقالة السابقة