متى يتميز الرجال عن دونهم؟ ويكون السؤال أكثر شمولية حين نقول: متى نميز الحكماء والألمعيين والإنسانيين وأصحاب التجربة عن سواهم؟. الجواب حين يكونون أحرارا منفتحين وديمقراطيين.. وحين يتمتعون ببعد نظر ومعرفة وبمقدار من عدالة في الحكم على الأشياء واحترام.
في القرية، كنا نعيش خلافات عادية مع آخرين، وقد نكون طرفا فيها، وكم كان بعض الناس يشعرون بالحرج وقلة الشأن، بل يشعرون بأنهم صغار، حين يعتدون على شخص، ويأتي هذا الشخص لترضيتهم ومصالحتهم، رغم أنه الطرف المعتدى عليه والمتضرر.. هكذا يمكنكم أن تميزوا الكبار.
في بلدنا مفارقات، وتناقضات، أغلبها جديدة على مجتمعنا ونمط تفكيرنا، وهي تتزايد على الشكل الذي يجعل الأوفياء الكبار يتراجعون حتى بالتعبير عن حب الخير والوطن، وذلك حين يسيطر على المشهد تجار ومنافقون، ومعتدون ومفسدون ودعاة شللية ومحسوبية وواسطات، وهم سلالات من جنس فاسد، أكل وشرب وباع وأضاع على حسابنا وحساب مستقبلنا.. وهؤلاء؛ ينشطون الآن في الدفاع عن ذواتهم وما اعتبروه مكتسباتهم، في ظل أمواج الإصلاح والتغيير..انهم يقاومون النجاح بل يحاربونه، ما دام لا يصب في مصالحهم ويدعمها.
أريد التحدث عن برنامج «حوار مع كبار» التلفزيوني، الذي تنتجه لصالح التلفزيون الأردني مؤسسة الأمل للإنتاج الفني، ومديرها المنتج محمد المجالي، الذي «يهدي» جهوده وعلاقاته الشخصية حول الوطن العربي لصالح التلفزيون الأردني، ويدفع من جيبه، ليسافر بطاقم البرنامج من بلد الى بلد آخر، ويقدم لنا برنامجا محترفا مهمًا، لم يأخذ حقه في كثير من وسائل إعلامنا، ولعل أهم أسباب نجاح هذا البرنامج، تكمن في قدرات الزميل والأستاذ سلطان الحطاب، الذي يعد ويقدم البرنامج، فالرجل مدجج بالخبرة السياسية والاعلامية والذكاء الحواري، ولديه خلفية كافية عن مشكلات وقضايا الوطن العربي، ويملك الرؤية السياسية وكل المهنية المطلوبة لانتزاع معلومة، تهم كل عربي وليس فقط كل أردني..
استضاف البرنامج شخصيات سياسية مهمة من الوطن العربي،وفي حلقته يوم السبت استضاف السفير الأمريكي في عمان، وكلنا يعلم أهمية السفير الأمريكي السياسية، خصوصا في منطقتنا وفي مثل هذه الظروف السياسية، فليس من السهولة بمكان، اجراء لقاء مع شخصية سياسية حساسة في هذا الظرف الخاص، وإن تم لقاء كهذا، فالأصعب هو، انتزاع معلومات منه، حول قضايا مشتعلة، تديرها امريكا بحذر وصمت واضحين.
لكن الأستاذ سلطان الحطاب ومن خلال حلقة يوم أمس الأول السبت، استطاع أن يقدم وجبة سياسية وإعلامية دسمة، تناقلت «أشباه» وسائل الإعلام، مواضيع مهمة منها، لكنها لم تذكر اسم البرنامج ولا اسم منتجه ومقدمه، وهذا يبين أنها تبتعد عن المهنية، ولا تحترم جهودا وطنية يقدمها أبناء الأردن وعلى حسابهم الخاص، بينما يبرع الآخرون في توضيب صفقات الابتزاز من خلال توضيباتهم الاعلامية البائسة..!
لا أريد مهاجمة صغار المهنة والاعلام والطارئين، فهم دون ذلك، لكنني أردت من خلال هذه المقالة توصيل فكرة مهمة، تتعلق باستشراء وظيفة التلميع، حيث يقوم بعضهم بمحاولات لتلميع «تنك» ينخره الصدأ، ويحاولون تلويث الهواء والأجواء وتشويه الحقائق بتعريف وتنكير يخضع لقاموس المصالح التي كتبها وأخرجها ونفذها فاسدون..
لا علاقة شخصية تربطني بسلطان الحطاب ولم يسبق ان التقيته، لكنني اعرفه من خلال ما يقدمه عبر صحافتنا منذ سنوات، ومن لم يعرفه ليتابع برنامج «حوار مع كبار» على شاشتنا الوطنية، ليفهم أنه أمام قامة إعلامية أردنية كبيرة طالما ظلمت، وأمام قامة انتاجية وطنية كبيرة يمثلها المنتج محمد المجالي، الذي طالما أثرى الساحة الفنية بأعمال كبيرة، جسدت وطنيته وذكاءه ومهنيته العالية وحكمة عمله الصموت..
بمثل هذه الأعمال نحب الأردن ونفخر به ونفكر ونتعامل على طريقة الكبار، وبنقيضها نستاء، لكننا نبتعد عن الصغائر وعن الصغار.