كنت في القاهرة وقد راقبت المشهد فيها والمشهد هنا وإذا كان هناك مبررات بعد أن حاول الإخوان احتكار الساحة المصرية ورفضتهم القوى الحية فإنه لا مبرر لما فعلوه يوم الجمعة..
أسأل لماذا هذا النزق الذي لم نعهده في حركة الإخوان المسلمين الأردنية والتي لم تكن نبتاً مقموعاً ولم تحجز قياداتها خلف القضبان أو تروع بالمطاردة والاختفاء ولم تصطف النساء المحجبات طوابير أمام المعتقلات بل كان الاخوان في معظم فترات الامارة والمملكة الأولى وحتى الرابعة شركاء في الحكم ولهم مواقع متقدمة بل غالباً ما كانوا أداة الدولة في مواجهة المد الشيوعي واليساري والقومي والوطني لسنوات طويلة وظلوا يحتكرون التربية والاعلام والتوجيه والمساجد وما له من ظواهر حتى اليوم..
ما العدوى التي أصابت اخوان الأردن ومتى؟ ولماذا أخذتهم عزة الربيع العربي بالإثم وراحوا يقلدون “اخوانهم” الذين قمعتهم الأنظمة أو طاردتهم أو حرمتهم النوم في بيوتهم ولا يريدون أن يستمعوا حتى لرأي ناصح قريب منهم هو رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بن كيران الذي قال ان من انتخبونا لم يعطونا تفويضاً كاملاً لادخالهم إلى الإسلام وهم مسلمون ولم نأت لاحتكار السلطة أو تغطية النساء واطلاق اللحى..
ما رأيته أمس الأول يوم الجمعة أمام ساحة الجامع الحسيني وامتدادها أعادني إلى التفكير في المتغيرات التي أصابت حركة الاخوان المسلمين في الأردن وتطورها عبر حرق المراحل من الدعوة إلى المعارضة إلى المحنة والامتحان والعمل على الانقضاض على الدولة بالعنف..وسألت نفسي لماذا هذا الاستعراض المليشي في الشوارع وفي هذه المرحلة وما المقصود به؟ وما هي الرسائل التي أراد الاخوان أن يطيروها ؟ ولأي الجهات ومن الممول والموجه؟ وهل تأتي هذه “الهوبرة” لخدمة جناح فيهم يريد أن يتجاوز الجناح الآخر في توسيع الشقة بين الدولة والاخوان وفي أخذ نهج جديد ينسج على طريقة الأخونة المصرية التي ظلت تستفز الشارع غير الاخواني حتى أرسل المصريون لها جماعة “البلاك بلوك” الملثمين لتعيش شوارع مصر الفوضى ويزرع فيها الشقاق والاستقطاب الذي قد لا ينتهي ..
أفهم أن يحتج الإخوان المسلمون في الأردن بهذا الشكل أو ذلك لو صدر بحقهم حكم من المحكمة يقول أنهم جمعية وليس حزباً وبالتالي اصدار قرار بحلهم أو ان تعتقل قياداتهم المتورطة بأحداث العنف أو الموجهة لها أو تلك التي لها علاقة بعناصر خارج البلد ممن يتصلون بتنظيم سوريا الجهادي أو ممن عقدوا اجتماعات سرية في الخارج ترتب عليها جمع اموال وادخالها إلى البلاد أو حتى أولئك الذين ارتكبوا مخالفات وجرائم على مستويات شخصية وتنظيمية..
نأخذ على الحكومات بأنها ظلت غالباً تغمض عيونها عن مواقف ومخالفات حين كان يتعلق الأمر بالاخوان وتنظيم باجتهادات ظلت تقول أنهم في الشارع ويستطيعون تحريكه وأن أي اجراء ضدهم قد يفسر بأنه كيدي أو مسيس أو لصالح قوى أخرى أو لمحاولة التضييق على الديموقراطية وحركة الاصلاح ..لم يحدث للاسلاميين شيء من هذا وقد يكون ما طالهم ممن يعتقدون أنه قمع وتضييق هو الأقل من بين القوى السياسية والحزبية والاجتماعية الأخرى فلماذا إذن هذاالاستعراض ذو الطبيعة العسكرية والاستعراضية؟ إلى أي جبهة سيذهب هؤلاء ومن يريدون أن يصادموا والشوارع خالية إلا من شرطة تحمي استعراضهم ؟ هل يريدون أن تأتي مجموعة تحمل عصياً وهراوات ليقولوا أن الدولة أو الحكومة ارسلت لهم من يقمعهم؟ ..لقد أحسنت السلطات عملاً حين تركتهم مكشوفين بلا غطاء ..يستفزون ما تبقى لنا من مساحة آمنة وسط اقليم يحترق وكأنهم لا يريدون الاعتبار بما يجري..
في زمن الحريق هذا لا بد أن يتوقف اللعب بأعواد الثقاب ألم يعطل عمر بن الخطاب حد السرقة في زمن المجاعة؟ ألم يلتزم الجماعة عدم الخروج على السلطان في زمن الفتنة؟ ألم يقرأ هؤلاء الامام الغزالي؟ ألم يقرأوا حتى ابن تيمية الذي يمجدون تطرفه؟ ماذا يريد الاخوان المسلمون منا؟ هل يريدون اصلاحاً لم يقروه ولم يشاركوا فيه ولم يباركوا خطاه ولم يزرعوا شيئاً من بذوره وجاءوا للحصاد؟ لماذا يريدون أن يربحوا اليانصيب دون أن يشتروا تذاكره؟..
ما جرى يوم الجمعة خطير وأرجو أن لا يتكرر وأن يدخل عقلاء الاخوان على الخط ليبطلوا مفعول الفتنة والقنبلة التي حاول البعض زراعتها مما تغريهم التصريحات ويواصلون محاولة قدح الشرر أمام الهشيم..
ليتوقف هؤلاء حتى لا يخرج لهم من يفهم لغتهم فيرد عليهم فنقع بين هذه وتلك، لنذهب إلى الحوار بدل العسكرة والمليشيا والهوبرة ولوي الذراع والتنافخ والتكاذب..لنتقي الله في بلدنا وأهلنا وشعبنا الذي تحيط به الحرائق من كل ناحية، لنتوقف عن التقليد الأرعن..فما جرى ليس حراكاً شعبياً عريضاً متعدداً انهم شبيبة الاخوان الذين يخرجون المنديل من كم الساحر والخشية أن ينقلب عليهم السحر الذي ليس هذا هو زمن اللعب فيه أوالتمرين عليه..فهل يعتبرون ؟
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب/الأخونة في الأردن ..لماذا التقليد والتصعيد!!
15
المقالة السابقة