عروبة الإخباري – كشف تقرير مفصل لوكالة رويترز بعض من خبايا وخفايا مليشيات “الدفاع الوطني” التي تقاتل مع بشار الأسد، موضحا أن تشكيلها جاء إثر إنهاك الجيش النظامي وتفككه وانعدام ثقة الضباط العلويين بالجنود السنة، وأن هذه المليشيات تتشكل في معظمها من العلويين فضلا عن المسيحيين والدروز.
كما كشف التقرير عن المقابل المادي الذي يوفره النظام للملتحق بهذه المليشيات، وأهم عنصر فيه هو مشاركته في “الغنائم” التي نهبها من المناطق أثناء إغارة هذه المليشيات عليها!
وهذا نص التقرير:
في سوريا وجد عشرات من الرجال – ممن يجري استدعاؤهم كل شهر للانضمام للجيش والقتال في صفوفه – بديلا أكثر إغراء ألا وهو البقاء في ديارهم والانضمام لمجموعات شبه عسكرية موالية لبشار الأسد ما يؤمن لهم نصيبا من الغنائم، التي تنهب أثناء شن غارات على أعداء الأسد.
ودخلت الانتفاضة ضد الأسد التي بدأت في صورة احتجاجات سلمية عامها الثالث مستنزفة الجيش النظامي. وانتقلت الانقسامات العرقية التي تفرق بين أفراد الأمة الواحدة إلى الجيش الذي فقد بالفعل الكثير من قوته نتيجة فرار بعض أفراده وانضمام البعض الآخر للمعارضة.
ويشعر ضباط الجيش من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد بعدم الارتياح لقيادته جيشا من المجندين، معظمهم ينتمي للأغلبية السنية في البلاد.
يقول هؤلاء الضباط إنهم يستطيعون تشكيل قوة أكثر ولاء من ميليشيات غير نظامية تنتشر في أنحاء البلاد.
وقال قائد عسكري في الخامسة والثلاثين من عمره في محادثة هاتفية من دمشق “بعدما اندلعت الأحداث بدأت قيادتنا تفقد الثقة في الجيش وفعاليته على الأرض في حرب مثل هذه. أصابت الشيخوخة الجيش السوري.. فر عدد كبير من الجنود وانضم البعض لعصابات مسلحة من المعارضة”.
وتابع الضابط الذي رفض نشر اسمه لاعتبارات أمنية: أتتنا فكرة تشكيل قوات الدفاع الوطني. بدأت كلجان شعبية تجوب الأحياء ثم تحولت لجماعات مسلحة وفي أواخر 2012 اكتسبت صفة قانونية تحت مسمى قوات الدفاع الوطني”.
وكانت الميليشيات الموالية للأسد تعرف من قبل باسم “الشبيحة”، ومنذ ظهورها غلبت عليها نزعة طائفية وأثارت الفزع في نفوس الأغلبية السنية التي تتهمها بارتكاب عدة مذابح ضد السنة.
وخضعت الميليشيات لعملية إعادة تنظيم وتدريب وتغييرات، وهي تصف نفسها بأنها جيش احتياط متطوع، بينما يوضح مقاتلو قوات الدفاع الوطني أن الجيش يدفع لهم رواتبهم.
غير أن تشكيل قوة عسكرية موازية للجيش النظامي قد يكون له تبعات خطيرة إذ قد تكرس قوات الدفاع الوطني الأبعاد الطائفية للصراع الدموي الذي راح ضحيته أكثر من 70 ألفا وشرد الملايين من ديارهم.
وتقبل الأقليات على الانضمام لقوات الدفاع الوطني بدلا من التطوع في الجيش الذي يتألف معظمه من مقتلين سنة، بينما معظم مقاتلي قوات الدفاع الوطني من العلويين، كما انضم إليهم عدد من المسيحيين والدروز أيضا.
وإثر أعمال عنف استمرت شهورا ومزقت البلاد تشرذمت المعارضة والجماعات الموالية للأسد، وربما يكون تشكيل قوات الدفاع الوطني دليلا على تسارع وتيرة التشرذم ما ينبئ باضطلاع تلك الميليشيات يوما ما بدور الجيش في حماية الأسد والأقليات التي حاربت معه.
وقال القائد العسكري من دمشق “معظم الجنود في وحدتي من السنة. لا يثقون بي وأنا لا أثق بهم. تلك هي المشكلة”.
وأضاف القائد وهو علوي مثله مثل معظم كبار ضباط القوات المسلحة في سوريا إن ضباطا كثيرين يستعينون بالجنود العلويين كحرس شخصي أو كوحدات قتالية خاصة.
ويضيف “الجنود لا غبار عليهم. ولكن ينتابني القلق كل ليلة. ولهذا السبب قوات الدفاع الوطني أفضل. لا يفر أحد ولا ينشق أحد”.
ويعتبر كثيرون من بينهم العلوي علي (38 عاما) أن الانضمام لقوات الدفاع الوطني ضرورة ليعول زوجته وابنته بعدما انهارت شركته الصغيرة ومقرها الخليج في أواخر العام 2011، إثر عودته لموطنه في حمص عقب مقتل شقيقه برصاص مسلحي المعارضة.
وقال “لم أعد أذكر كيفية استخدام السلاح فقد انقضى عامان على أدائي الخدمة العسكرية الإلزامية ولكن قريبي كان قائدا لجماعة مسلحة” في إشارة للشبيحة.
وتابع: “نصحني بتشكيل مجموعة أيضا وأمدنا بالسلاح وبعد ستة أشهر نظمنا أنفسنا كوحدة في قوات الدفاع الوطني، والآن يصرف لنا مرتب ثابت فضلا عن مزايا أخرى. التنظيم جيد”.
ويوجد مكاتب لقوات الدفاع الوطني في مدن خاضعة لسيطرة الحكومة في أرجاء سوريا. ويقول السكان إن العديد من المكاتب مزودة بمراكز للتدريب تحت إشراف ضباط سوريين كما تصرف قوات الدفاع الوطني لمقاتليها راتبا شهريا وتمدهم بالأسلحة.
ويستغرق التدريب من أسبوعين إلى شهر حسب المهمة الموكلة سواء أكانت عمليات قتالية أساسية، أو تدريب على القنص أو جمع معلومات استخباراتية.
ويتمثل الإغراء الرئيسي لكثير من المقاتلين في عدم مغادرة ديارهم، إذ يقاتلون حيث يقيمون فضلا عن تحقيق مكاسب مالية إضافية، في وقت يتعرض فيه اقتصاد البلاد للانهيار. ويقولون إنهم لا يمنعون من نهب المنازل اثناء مهاجمة مناطق تسيطر عليها المعارضة بل يجري تشجيعهم على ذلك على عكس الحال بالنسبة للجنود.
وقال نادر وهو علوي في الثلاثين من عمره كان يدرس الأدب الانجليزي قبل اندلاع المعارك “أحصل على 15 ألف ليرة (158 دولارا) شهريا ويسمح لي بالاحتفاظ بحصة من كل ما ينهب بعد أي معركة أخوضها”.
ويضيف “لا أريد أن اقتل في مكان آخر غير حمص.. أريد ان أقاتل من أجل أرضي لذا حين استدعيت للخدمة، انضممت لقوات الدفاع الوطني وأعطوني نموذجا مختوما وتوجهت به لمكتب التجنيد التابع للجيش”.
وتابع في محادثة هاتفية مع رويترز “لا يوجد نظام عسكري يلزمني بالاستيقاظ في السادسة صباحا لأداء تمرينات. هذا أكثر راحة كما إنك تعرف جميع أفراد المجموعة لأنكم جميعا من نفس المنطقة”.
ويقول مقاتلو قوات الدفاع الوطني إن لهم الخيار للعمل في نقاط التفتيش وحسب، ولا يرغمون على المشاركة في الغارات التي يشنها الجيش، ولكنهم في هذه الحالة سيحرمون من أي غنائم.
ويقول السكان إن الغنائم تباع في أسواق مؤقتة، وترسل أفضل البضائع للمدن الساحلية أو لبنان المجاورة.
وتسيطر المعارضة المسلحة على معظم المناطق الحدودية في الشمال والجنوب في حين تنتشر قوات الدفاع الوطني في أرجاء البلاد حيثما يوجد موطئ قدم للجيش. ويسيطر الجيش وقوات الدفاع الوطني بشكل شبه تام على الساحل حيث يقيم عدد كبير من العلويين. وعانى كثيرون من المنتمين لأقليات عرقية بما في ذلك العلويون من الفقر والقمع مثل السنة الذين قادوا الانتفاضة، ولكن هذه الأقليات تعتبر الأسد حاميها الوحيد خشية انتقام السنة بعد حكم عائلة الأسد وهيمنة الصفوة العلوية على السلطة لعقود عدة.
وقدر خبراء عسكريون أن جيش الأسد قوامه بين 300 و500 ألف جندي، ولكن فرار جنود وانشقاق البعض الآخر فت في عضده.
ويرى الجيش مزايا عديدة للميليشيات المحلية، إذ إنها تعرف كل زقاق في المدن وكل قرية في الريف.
وقال ضابط في حمص طلب عدم نشر اسمه إن دور الجيش يقتصر إلى حد بعيد على الإمداد والتموين والتوجيه، في حين يقاتل أفراد قوات الدفاع الوطني على الأرض.
وأضاف الضابط من حمص في محادثة هاتفية “نوجه المدفعية والضربات الجوية.. غالبا ما يمكث مقاتلو قوات الدفاع الوطني في مناطقهم، ولكن عندما نعاني نقصا في القوة البشرية فإننا نرسل أفرادا إلى محافظات أخرى، إذا كانت مناطقهم هادئة”.
ولكن صعود قوات الدفاع الوطني لا يقره جميع السكان، حيث يشرف مقاتلوها على نقاط التفتيش ويديرون شؤون بلدات صغيرة؛ ما يثير سخط مسؤولين محليين.
ويقول رجل دين مسن من العلويين من قرية مصياف بوسط سوريا طالبا عدم نشر اسمه “يستولون على مكتب حكومي أو مدرسة ويحولونه لمقر لهم ولا يستطيع أحد أن يقول أو يفعل شيئا، قائد قوات الدفاع الوطني هنا رجل قذر وغير شريف، لم يكن يملك شيئا قبل عامين والآن لديه أرض وسيارات ومنازل وكل ذلك من السرقة بدعوى القومية”.
ويرى آخرون أن تشكيل هذه القوات شكل رابطا لا تنفصم عراه بين الأقليات والميليشيات الموالية للأسد ويضعهم بين خيارين كلاهما مر.
وقال فادي -علوي من طرطوس- “إما أن تنضم إليها، وإما أن ترحل”، موضحا أنه يريد أن تنتقل زوجته وابنته إلى لبنان مضيفا: “أضحينا شركاء في عسكرة مجتمعنا”.