سنة ٢٠٠٦ أشعل “حزب الله” حربا مع اسرائيل، مورّطا لبنان بأسره في حرب جديدة من حروب الآخرين على أرضه. وكانت هذه المرة حرباً ايرانية – اسرائيلية بالواسطة، معطوفة عليها حرب بوظيفة داخلية لبنانية هدفت الى انجاز ثورة مضادة لـ”ثورة الارز” التي أخرجت الوصاية الاحتلالية السورية من البلاد، وغلبت نوعا ما المسار الاستقلالي على المسار السوري – الايراني.
كلفت حرب ٢٠٠٦ التوريطية اكثر من الف ضحية لبنانية وآلاف الجرحى، ودمارا وخسائر بمليارات الدولارات وقعت ليس فقط على بيئة الحزب بل على كل البيئات اللبنانية من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال. ولما خرج الحزب من الحرب معلنا انتصاره من بين ركام الضاحية الجنوبية لبيروت، حوّل بندقيته نحو صدور اللبنانيين محدثا انقساما عموديا حادا لم يسبق له مثيل، وصل الى حد قتل عشرات المواطنين العزل في بيروت وغيرها من المناطق تحت شعار “السلاح لحماية السلاح”. ومنذ ذلك اليوم، وعلى الرغم من كل التسويات المرحلية التي تمت بدءا من اتفاق الدوحة وانتهاء بما سمي “سين سين”، لم يتراجع الانقسام، انما زاده حدة سلوك “حزب الله” الداخلي الذي اتخذ منحى الغلبة بالقوة، وكسر التوازانات القائمة في البلد بالقوة، الامر الذي أجّج مشاعر الغضب لدى فئات واسعة من الشعب اللبناني، وقد كان عامل اصرار الحزب على “تقديس” سلاحه والمتهمين بقتل رفيق الحريري ورفاقه، وجملة ارتكابات في الحقل العام، دافعا لمزيد من الاحقاد الداخلية.
مع ان القرار ١٧٠١ انهى عمليا الحروب اللبنانية – الاسرائيلية، فقد اصرّ “حزب الله” على وظيفة سلاحه القديمة، مضيفا اليها وظيفة جديدة هي محاولة السيطرة على اللبنانيين واخضاعهم، وصولا اليوم الى جعل الاطراف الذين عانوا في السنوات الماضية اكثر اصرارا على مقاومة ما صار يسمى في اوساط عدة بـ”احتلال حزب الله”… ونما شعار “مقاومة المقاومة” في بيئات عانت الامرين من سلوك “حزب الله”.
سنة ٢٠٠٦ قال كبير منا رحل اليوم تعليقاً على الحرب: “إن حزب الله مشروع حروب دائمة، وهو غير قادر على تقديم اي شيء لبيئته سوى مزيد من الحروب”. قائل هذا الكلام هو سهيل عبود الذي غادرنا باكرا صيف ٢٠١١. اليوم يكمل “حزب الله” مشواره مع الحروب التي يقدمها لبيئته وللبنان. يتورط في قتل السوريين على ارضهم. يغزو قرى، واحياء في المدن المتاخمة للحدود، ويتصرّف كقوة احتلال لا يميزها شيء عن الاحتلال الاسرائيلي. وقد صار الحزب في وعي السوريين عدوا اشد خطرا من العدو الاسرائيلي، وصارت البيئة التي تحتضن الحزب هنا متهمة باحتضان تنظيم يقتل السوريين بالعشرات، بل بالمئات. هذا كله أدى وسيؤدي الى توريث البيئة المذكورة احقادا، مع عشرين مليونا من السوريين لعقود مقبلة، ولن يخرج الحزب منتصرا من حربه السورية، ولن يجد بين اللبنانيين من يتضامن معه في خسارته كما تضامنوا لما كانت المواجهة المفتعلة مع اسرائيل.
إن اخطر ما في حرب “حزب الله” الاخيرة انها ستصيب اعماق البيئة التي تحتضنه، عن وعي أو عن غير وعي.
علي حمادة/آخر حروب “حزب الله”
16
المقالة السابقة