لا يمكن الحديث عن تداعيات غزو العراق واحتلاله دون الالتفات إلى أحداث مطلع حقبة تسعينيات القرن الماضي وانهيار الاتحاد السوفيتي حليف العرب، تدمير يوغسلافيا إحدى ركائز دول عدم الانحياز وتفتيت وحدتها إلى خمس دول بعد حرب ضروس انتقاما لدورها التاريخي في نصرة قضايانا العربية، ومن المجحف أيضاً أن نتحدث عن حال العراق اليوم دون الالتفات إلى مطلع القرن الحادي والعشرين الذي لم يكن فاتحة خير على أمتنا العربية والإسلامية وما لحق بنا جميعا وأهم تلك الأحداث تفجيرات مركز التجارة العالمي في نيويورك ومحاولة تدمير وزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن وغزو أفغانستان واحتلالها ثم غزو العراق واحتلاله. كل هذه العوامل وغيرها يجب أخذها في الاعتبار عند الحديث عن غزو العراق من قبل بريطانيا وأمريكا عام 2003، وجدير بالقول إنه لا يتسع المجال هنا لتناول تلك العوامل في مقال محددة كلماته مسبقا.
(2)
بعد احتلال العراق نتيجة لأكاذيب أشاعها الرئيس بوش الابن وأركان نظامه والتي وصلت إلى 935 أكذوبة خلال الأعوام 2001 / 2003 كما ورد في تقرير مركز” من أجل السلامة العامة ومن أجل صحافة مستقلة ” أمعنت سلطات الغزو وعملاؤها في تدمير العراق تدميرا شاملا بكل معنى التدمير الشامل، ولاحقت علماء وأساتذة الجامعات العراقية لتصفيتهم. جنرال فرنسي متقاعد يروي للتلفزيون الفرنسي القناة الخامسة في 8 أبريل / 2004 أن أكثر من 150 جنديا إسرائيليا من وحدة الكوماندوز دخلوا العراق بمعرفة لجان التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق لاغتيال علماء العراق الذين يعملون في برنامج التسلح العراقي وكان عدد العلماء العراقيين المستهدفين 3500 عالم.
كان التدمير يشمل استهداف العقول العراقية والأراضي الزراعية وتدمير وحدة الدولة، وفي المجال الزراعي أصدرت سلطات الاحتلال قانونا برقم 81 لتمكين شركة مونسانتو الأمريكية من بيع بذورها القاتلة على الفلاح العراقي كما أن الأراضي الزراعية والمراعي قد تلوثت نتيجة لاستخدام اليورانيوم المنضب والذي لوث الأراضي الزراعية لتُنتج مواد غذائية للإنسان والحيوان مسرطنة الأمر الذي أدى إلى انتشار أمراض السرطان بين السكان العراقيين، وشتان بين القانونين بين قانون 80 القاضي بتأميم امتيازات النفط الذي أصدرته الحكومة الوطنية العراقية في ستينيات القرن الماضي وقانون 81 القاضي بتدمير الأراضي الزراعية بطرق متعددة في ظل حكومة الاحتلال بقيادة نوري المالكي.
(3)
خسر العرب العراق من أجل استعادة مديونية تقدر بعشرة مليارات دولار مستحقة على العراق كان بإمكان القادة العرب إقناع الأطراف المختلفة (العراق والكويت) بتدبير ذلك المبلغ إلا أن الأمور سارت في غير اتجاهها وخسر العرب العراق وخسروا أكثر من 400 مليار دولار نتيجة لتلك الحرب على العراق التي استمرت (13 سنة حصارا واستنزافا + 10 احتلالا)، وانهارت معاهدة الدفاع العربي المشترك لأن معظم الدول العربية بما في ذلك مصر شاركت في حصار العراق وتسهيل غزوه واحتلاله.
في الجانب الأمني تجتاح دول مجلس التعاون أعمال عنف / إرهاب لم تسلم دولة من هذه الدول من تفجيرات ومحاولة اغتيال كان آخرها محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية السعودي الآن، وتنتشر الخلايا الإيرانية النائمة في كل هذه الدول خاصة البحرين والكويت.
في غياب العراق اشتد الدور الإيراني وأصبحت إيران تسيطر على العراق الشقيق كقوة احتلال جديدة بعد انسحاب بعض وحدات القوات الأمريكية من العراق وكذلك سوريا، إلى جانب إيران نشطت تركيا الباحثة عن دور في المنطقة وهي لاشك قادمة لأداء ذلك الدور ولا يمكن تجاهل الهند التي يعيش بيننا ما يقارب 6 ملايين هندي يحولون لبلادهم 40 مليار دولار سنويا كما قال بذلك السفير الهندي في البحرين (الوسط البحرينية).
أما التداعيات الاقتصادية فحدث ولا حرج في الشأن العراقي دخلت دول مجلس التعاون استجابة لطلب أمريكي بالمشاركة في إعادة إعمار العراق ودفعت أموالا طائلة ولم يعمر العراق بل نهبت كل أموال التعمير وكذلك إعمار أفغانستان أي أن أمريكا تدمر ودول الخليج عليها أن تتحمل إعادة إعمار ما دمرته الحروب.
جانب آخر هو من يتحمل تكلفة القوات الأجنبية في الخليج العربي فمثلا: حاملة الطائرات الواحدة تستهلك 5628 جالونا في الساعة، وقاذفات القنابل ب51 تستهلك 3612 جالونا في الساعة، وطائرات إف 15 تحرق 240 جالونا في الدقيقة الواحدة (مركز أبحاث الخليج).
السؤال ما هو نصيب دول الخليج من هذه التكاليف؟ علما بأن هذه القوات البريطانية الأمريكية جاءت لحماية الخليج وأهله من صدام حسين.
(4)
وأخيرا وليس آخرا يرتكب وزير” العدل” العراقي مجازر وجرائم ضد الإنسانية لإعدام أبرياء بموجب تقارير” منظمة المخبر السري ” الذي شكلها نوري المالكي، هذا الطائفي الأرعن ويقول في حديث صحفي إنه سيجعل العراق الدولة الأولى في العالم التي تنفذ أحكام الإعدام ضد المتهمين بموجب محاكمات صورية معتمدة على الكذب والبهتان.
آخر القول: نناشد زعماء العرب ومثقفيهم وأحرار العالم المطالبين بحقوق الإنسان: أنقذوا الشعب العراقي من نوري المالكي وزمرته قبل فوات الأوان.