هناك قناعة راسخة بأن كافة قضايا الفساد بدون استثناء ينطبق عليها المثل الشعبي القديم لا دخان بدون نار، اي ان الفساد موجود في القطاعين العام والخاص، الا ان الانتقائية في الملاحقة والتضخيم و/ او تهميش كان وما زال قائما، والدليل على ذلك ان هناك مئآت القضايا التي تم تناولها امام هيئة مكافحة الفساد او القضاء ومع ذلك فإن القضايا التي تم البت فيها محدودة جدا وانعكاساتها لاتذكر.
يقول اقتصاديون ومحللون ان الفساد والرشوة باشكالهما المختلفة آفة التنمية، وان ضعف العدالة في المساواة بتصريف الاعمال وانجاز المعاملات والتأخير المتعمد في اصلاح اوضاع شركة او مؤسسة ما هو الا شكل قاس من اشكال الفساد الذي يهلك ما تبقي من موجودات الشركة او المؤسسة ويفقدها فرصا قد تكون متاحة اليوم وغير متاحة غدا، لذلك على الجهات المعنية بمعالجة اوضاع الشركات وضع سقوف زمنية للبت في الملفات واما تحويلها الى القضاء للبت فيها او الافراج عنها للعودة للعمل في حال عدم توفر ادلة الادانة وهذا اضعف الايمان.
ارتفاع وتائر نشاط الهيئات الرقابية والمؤسسات المعنية بالتصدي للفساد تزامن مع ما يسمى بـ «الربيع العربي»، وان إجراء مقارنة لنتائج هذا الربيع الذي ذبل قبل ان ينضج نجد في كافة دول هذا الربيع عانت وما زالت من ارتفاع الفقر والبطالة واستشراء التمادي على المال العام، وانخفاض معدلات النمو وارتفع ميل النظم الجديدة للاستدانة وتحميل شعوبها المزيد من الاعباء التي ستطال الاجيال القادمة، اي ان نتائج الربيع العربي جاءت وخيمة.
وفي نفس الاتجاه نجد جهود مكافحة الفساد وتصويب اوضاع عدد من الشركات ترك نتائج عكسية على الاقتصاد والمجتمع، فمن ناحية تقوقع القطاع الخاص والمسؤول العام تحسبا للمساءلة، اما بعض اولئك الذين طالتهم ملفات الفساد، ويؤكدون ان الانتقائية في ملاحقة الفساد والفاسدين او من هم في دائرة الشبهات يطرحون قول حق يراد به باطل وهو ان النتيجة الوحيدة هي اعادة خلط الاوراق واثارت الغبار لتمرير قضايا كبيرة دفع ثمنها الوطن والمواطن، الا ان الخاسر الاكبر كان وما زال هي بيئة الاستثمار، وتحولت جهود معالجة الفساد الى مادة شعبية، كما اصبحت مصدرا لاسترضاء العامة بعيدا عن الحرفية والقوانين النافذة.
مرة اخرى لا دخان بدون نار وان هناك الكثير من ممارسات الفساد بعيدا عن النزاهة والعدالة، وان المصلحة العليا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا يجب ان تنطلق من حرفية عالية بعيدا عن الاعلام وتسريب المعلومات لحين اصدار القضاء احكاما قطعية، عندها يمكن الافصاح عنها حتى نسجل دروسا حقيقية تساهم في مكافحة الفساد ولجم المفسدين، وهنا …يجدر الاشارة ان مسيرة العامين الماضيين في هذا المجال حفلت بعدد كبير من الاخفاقات والاخطاء حان الوقت لتصويبها.