يكاد الأردن يتحول، كله، هذه الأيام، إلى حلقة نقاشية واسعة، يتناول فيها الأردنيون شأنهم العام، ترتفع، في بعضها، أصواتهم؛ ويختلفون، في أكثر الأحيان، وخاصة عند تقييمهم للخطورة النسبية عليهم لما يواجههم من تحديات.
ويتساءل المرء: هل لدى أهلنا، يا ترى، نظام أولويات يرتبون فيها جهدهم الوطني في مواجهتهم لتلك التحديات، للأخطر منها فالأقل خطورة، وهكذا؟ أم أن مواقفهم مواقف عشوائية تتخذ كيفما اتفق؟»
ونضرب أمثلة. فالأردن يتعرض، هذه الأيام، لحرب حقيقية تتمثل في ارتفاع عدد سكان البلاد خلال أقل من عام واحد، بنسبة 10- 15% نتيجة تدفق أكثر من 600 ألف لاجئ سوري دفعة واحدة، والأمر بازدياد؛ وهو ما يشكل عبئا ثقيلا على بنيته التحتية وموارده من المياه والطاقة والخدمات الصحية والتعليمية والغذائية. وهي، من حيث نتائجها العامة، حرب حقيقية تعلن علينا بأدوات غير عسكرية حتى الآن، ومخطط لها، جيدا، كما يبدو؛ وتجيء في وقت عصيب نعاني فيه من أزمة اقتصادية ومالية متفاقمة تشير كل الدلائل على أنها ما تزال في بدايتها. فنحن على وشك استقبال مليون لاجئ سوري آخر، خلال هذا العام، إن فشلنا في ترتيب أنفسنا ومواجهة التحدي بإجراءات فاعلة.
ومع كل ذلك، تجد، لدينا، جهات مؤثرة في صنع القرار الصحيح تضرب في اتجاهات بعيدة عن المطلوب، كما لو «ضربها نجم،» كما يقال في الحكمة التقليدية الدارجة، ففقدت اتجاهها.
تراها تهتم بأمور ثانوية قليلة الأهمية مخرجة نفسها، بذلك، من ساحات العمل الحقيقي، فتوجه كل الهجوم نحو حكومة الدكتور عبد الله النسور، التي هي، بكل المقاييس والمقارنات، الحكومة التي تمتلك برنامجا حقيقيا ترفده إرادة حديدية في التنفيذ ومواجهة هذه التحديات بفتح المعركة على كل الجبهات دفعة واحدة: الداخلية، نحو الاستقرار وخلق وضمان فرص النجاح للدولة شعبا ومؤسسات؛ والخارجية، نحو قوى العالم كله، لتتحمل مسؤولياتها إزاء وضع شاذ، مفروض علينا، فيما يشبه الاعتداء العسكري. هذه الجهات، مؤسسات وأفراد، تقف، مثلا، عند أمور ثانوية لا علاقة لها بقضايا الصراع المحتدم، مثل القول أن مواقف عبد الله النسور، كرئيس وزراء، تتناقض ومواقفه، كنائب معارض، كأن ذلك ليس من طبيعة الأمور وبدهيات العمل السياسي؛ ومثل القول انه هاجم قانون الصوت الواحد، كنائب، ثم تبناه، كرئيس وزراء، كأن الأمر ما زال مطروحا علينا الآن وفورا؛ أو مثل القول أنه سيعدل الحكومة بإدخال برلمانين فيها إن وجد أن ذلك سيجعلها أقوى وأكثر فعالية.
كان الأحرى بها وبهم التوجه نحو العمل الجماعي لمواجهة التحدي القادم من الشمال. فليس لدى الحكومة وقت لمخاطبة طبيعة العلاقات السياسية والمجتمعية. ذلك، الكثير منه، متروك، في النهاية، للأحزاب السياسية، ولمشاريع الأحزب السياسية، من كتل برلمانية نسمع عنها، لتقوم بدور فاعل في تنظيم المجتمع، وتغير من طبيعة هذه العلاقات.
هذه الحقائق صار يعرفها نوابنا الكرام، وهم يفرقون، فيها، بين الزبد الذي يذهب جفاءا، وبين ما يمكث في الأرض. فالبلد، في حالة طوارئ متجمع كله للمواجهة الناجحة مع التحديات التي تنهال علينا يأخذ بعضها برقاب بعض وتتراص في طريقنا.
فالح الطويل/لكي لا تختلط الأمور
11
المقالة السابقة