لعقود مثلت جماعة “الإخوان المسلمين” إحدى أقوى التنظيمات السياسية والدينية فى العالم العربي. وقد لعبت أنظمة القمع والفساد بشكل مباشر وغير مباشر في تقوية التنظيم الإخواني لأسباب يطول شرحها. فقد أثبتت التجربة التاريخية أن الاستبداد هو من أهم الأسباب التي قد تفسر قوة التنظيم الإخواني وتمده بترياق الحياة والصمود. لذا فقد كان من المفترض أن يشهد التنظيم الإخواني قدرا من المرونة إن لم يكن التفكك فى مرحلة ما بعد الثورات عطفا على حالة الانفتاح والتحرر التي شهدتها معظم البلدان العربية، ولكن ما حدث هو العكس. فقد ازداد التنظيم قوة، واتسع نطاق هيمنة من يعرفون بالصقور أو التيار المحافظ على التنظيم وتوارى صوت الإصلاحيين وتراجعت قوتهم إما بسبب خروج معظمهم أو نتيجة لتهميشهم.
لذا فإن السؤال هو: كيف استطاع التنظيم الإخواني الحفاظ على قوته فى عصر السيولة السياسية والانفتاح ما بعد الثورات؟ يمكن تفسير هذه الصلابة بأمرين أولهما وصول الإسلاميين إلى السلطة فى العالم العربي وخاصة مصر وهو ما يعني أن أي حديث عن مراجعات أو إصلاحات داخلية هو أمر غير مطروح بسبب الانشغال الشديد بإدارة شؤون الدولة والحكم. والسبب الثاني هو حالة الهجوم والقصف الإعلامي على الإخوان من قبل مختلف الفصائل السياسية وهو ما يساهم في إعادة تجذير ثقافة “المحنة” التي تساهم في تماسك الصف الإخواني وتزيد من قوته. وقد نجح التيار المحافظ في توظيف هذا الهجوم من أجل إحكام قبضته على التنظيم. وكلما ازداد الهجوم كلما تماسك أعضاء التنظيم. وكأن الإخوان استبدلوا قمع الأنظمة بهجوم المعارضة عليهم من أجل إبقاء الوضع على ما هو عليه.
بكلمات أخرى، فإن ما ظننا أنه قد يحدث بعد الثورة من إعادة هيكلة للتنظيمات الإخوانية قد تحول إلى شكل جديد من أشكال الصلابة التنظيمية. وهنا لا يخلو الأمر من خداع سياسي وإيديولوجي. فمن مصلحة التيار المحافظ داخل الإخوان إبقاء الجميع في حالة انشغال بالعدو “الخارجي” الذي يحارب الجماعة ويحاول إفشالها. وهو أمر من شأنه أن يزيد التفاف قواعد التنظيم حول القيادات وهو ما حدث بالفعل. فعلى سبيل المثال تم التجديد للشيخ راشد الغنوشي كي يصبح زعيما لحركة “النهضة” التونسية، وكذلك زادت قبضة التيار المحافظ داخل الإخوان على التنظيم بحيث لم يعد هناك أي مجال للحديث عن إعادة هيكلة الجماعة من الداخل ولم يعد هناك صوت إصلاحي حقيقي يمكنه المطالبة بذلك وهو ما يعني أن أي حديث عن إصلاح الإخوان لا يزال بعيدا.
د. خليل العناني
كاتب وأكاديمي مصري، جامعة دورهام-بريطانيا
kalanani@gmail.com