على مدار ثلاثة أيام ووسط «32» ورقة بحثية مختلفة العمق والدلالات استمعت إلى حوارات ونقاشات وأوراق تقدم وأسئلة تطرح من مذاهب مختلفة ومن دول وشعوب مختلفة جمعها اطار واحد هو الاسلام رؤية وفقه ، تحدثت جميعها عن «فقه رؤية العالم والعيش فيه»..
سؤالي الذي كان محرجاً هو لماذا البحث في كتب الدين والفقه القديمة التي جرت الاقتباسات منها والذهاب اليها والحرص على توثيقها وتدقيق رواياتها عن القديم وجلبه ومحاولة الاختباء خلفه أو اسقاطه على واقع عربي واسلامي صعب ومعقد ومتأثر بالآخر القوي أو المحيط والاستعداد للتصادم معه أو رفضه أو انكار الحوار معه بدل البحث في الجديد القائم والمعاش مع ما يناسب وفقه الواقع الذي لا بد لمثل هؤلاء العلماء الذين جاءوا الى مسقط من (45) بلداً من أن يبحثوا في الجديد ويكيفوا الفقه الاسلامي معه أو يكيفوا الفقه اجتهاداً ورؤية مع الواقع..
هذا السؤال تفهمه من جاءوا من الغرب الأميركي أو الأوروبي من مسلمين أصولهم عربية أو حتى أجنبية من أساتذة جامعات وأئمة مساجد وغيرهم أكثر من الذين جاءوا من بلدان عربية باستثناء القليلين أمثال الدكتور رضوان السيد وبعض علماء مصر وغيرهم..
نعم لدينا مشكلة هي في توسيع باب الاجتهاد والابداع الفقهي واستعمال العقل في خدمة الشريعة وحتى الشريعة في خدمة العقل ليتوقف الحجر عليه..
وفرت مسقط المكان وقدمت وزارة الاوقاف فيها الامكانيات وانتظرنا على مدار اربعة أيام الجديد الذي كان قليلاً فقد أعادت معظم الأوراق نسخ صورة العيش مع الآخر أو رؤية العيش معه عبر الفقه كما كان الحال عليه في الماضي دون أن نلمس الجرأة الكافية من الاجتهاد الذي يصعد من صعوبة الواقع ليرد على التحديات..
كانت الاجابة تتوفر إلى حد كبير في مداخلة الدكتور رضوان السيد من لبنان الذي يعيش تعدد أشكال العيش مع الآخر وبالآخر ويفرض واقعه التعددي أشكالاً من التعددية السياسية والاجتماعية ويلزم أن يكون لدى أهله من المسلمين فقه متطور ليجيب على أسئلة العيش مع الآخر سواء كان داخل الوطن أو خارجه وهذا ينسحب على عالمنا العربي الذي يحتاج إلى مثل هذا التزود لينطلق بسلاسة دون اختلافات تنعكس على الواقع صراعات ومنازعات وضعف في الوحدة الوطنية وأقرأ لرضوان السيد قوله «عندما كان سياسيو الاسلام وفقهاؤه ومثقفوه في الدولة العثمانية ومصر يراجعون فقه العيش الاسلامي القديم ويحاولون النهوض إلى عيش جديد ما كان لديهم الوقت والاهتمام لقراءة ومراجعة محاولاتهم الجديدة ونقدها ويضرب السيد على ذلك مثال ما جاء في كتاب عبدالله العروي « الايديولوجيا العربية المعاصرة إذ ذهبت إلى أن ثلاث فئات كانت منخرطة في صنع هذا الجديد او فقه العيش أو المدنية..الشيخ الاصلاحي والسياسي ورجل الدولة والتقني الاداري لم ينتبه الكثيرون للمحاولات الجديدة سوى الأمير شكيب ارسلان الذي طالب المفكر عجاج نويهض بترجمة كتاب لباحث اميركي في العشرينيات (1910) اسمه «حاضر العالم الاسلامي»..
ولذا ظهرت في العالم العربي موجات قامت على ردة الفعل وأغلقت الطريق على التحديث باسم الخوف على الهوية والخصوصية وراح من يعمق القديم ويحتمي به ويعطل أسئلة التحديث وفجأة تحول الاجتهاد والتحديث والدعوة للتجديد عبئاً على المجتمعات وبدأت المجتمعات العربية والاسلامية تدافع عن نفسها من نفس النظريات والمواقف التي كان لا بد من نقدها وأصبح الدوران في حلقة مفرغة..
كنت أستمع لكمٍّ كبير من اجترار تراث الفقه والانصراف إلى الهوامش والتعليقات ونقضها بدل اعتماد نقد المتن والأساسيات والبحث عن تكيف جديد وتحديث فيها.
اليوم نحن نفتقر كثيراً إلى العقل الذي يبدع لنا فقه الواقع وفقه التوقع وفقه العيش المشترك في مجتمعات تتحرك بسرعة نحو مستقبلها وحاجاتها وتتركنا إلى الاختلاف على تراث من الفقه أصبح غريباً في كثير من جوانبه ..كنت أخرج من القاعة وأسأل نفسي إلى متى نظل نبحث عن الحل دون استعمال العقل؟!
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب/ما زالت محنة العقل الإسلامي قائمة !
10
المقالة السابقة