يزدحم شهر نيسان الفلسطيني بكم لا حصر له من الأحداث والتطورات والموقعات الدراماتيكية التي أثرت الى حد كبير على مجريات التاريخ الفلسطيني، فمن التفجيرات الارهابية الدموية الى الاغتيالات، الى المجازر الجماعية، الى التدمير والتهديم الشامل للبلدات والقرى الفلسطينية، وغير ذلك من العناوين، كلها نقرأها في نيسان من رزنامة المشهد الفلسطيني منذ ما قبل عام النكبة وبعدها، ونستحضر هنا مرة أخرى أبرزها إحياء للذاكرة الوطنية القومية العربية:
ففي الأول من نيسان/1948 “وصلت طائرة نقل من طراز داكوتا محملة بالأسلحة التشيكية إلى مطار عسكري بريطاني مهجور في جنوب فلسطين، وقد تم توزيع الأسلحة على المستعمرات اليهودية في المناطق الجنوبية على الفور”، وبعد يومين من ذلك، “وصلت باخرة سراً إلى خليج صغير على الساحل الفلسطيني تحمل شحنة أخرى من الأسلحة التشيكية”، وجاءت الأسلحة استجابة إلى برقية بعث بها بن غوريون إلى “ايهود أفريل” ممثل الهاغاناه في براغ يأمره فيها بإرسال شحنات سريعة من الأسلحة.
وفي مطلع نيسان/48 تمكنت القوات الصهيونية من احتلال القسطل التي كانت تتحكم بالطريق الموصل بين تل أبيب والقدس، لكن قوات المجاهدين استعادوا التلة في الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم 8 /4 /1948 وقد استشهد في ذلك اليوم عبدالقادر الحسيني قائد جيش الجهاد المقدس، ثم سقطت القسطل في صباح اليوم التالي 9 /4 /1948.
وفي 9 /4 /1948 نفذ الصهاينة مذبحة دير ياسين التي خصص لها 1500 من أفراد عصابات الهاغاناه، ففي الساعة الثانية من فجر ذلك اليوم أعطي الأمر بالهجوم على القرية فتحركت وحدات الأرغون بالإضافة إلى إرهابيين من عصابات الهاغاناه والبالماخ لاكتساح القرية من الشرق والجنوب وتبعتهم جماعة شتيرن بسيارتين مصفحتين وضع عليهما مكبر للصوت، واستهدف الصهاينة من وراء المجزرة قتل أو تهجير أهل القرية، وكانت المقاومة العربية في دير ياسين فوق توقعات العصابات الصهيونية، وما بزغ الفجر حتى صعّد هؤلاء هجومهم وعملياتهم العسكرية محاولين التقليل من الإصابات في صفوفهم عن طريق نسف مداخل البيوت الحجرية بالقنابل ثم مداهمتها وقتل الموجودين، ونودي إلى السكان عبر مكبرات الصوت أن المخرج الغربي للقرية مفتوح، وسكان القرية الذين صدقوا النداء تم اصطيادهم برصاص الإرهابيين اليهود، وأما الذين بقوا في المنازل ومعظمهم من النساء والأطفال والشيوخ فقد تم الإجهاز عليهم، إذ أخذ اليهود يلقون بالقنابل داخل البيوت فيدمرونها على من فيها، وقام اليهود بقتل كل من يتحرك أو من كان داخل أي بيت وكل عربي بقي حياً، وحفر الصهاينة في نهاية العملية قبراً جماعياً دفنوا فيه مئتين وخمسين جثة أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ، وتشير الذاكرة الوطنية الفلسطينية إلى أن المجزرة الجماعية التي نفذتها القوات الصهيونية ضد أهالي بلدة دير ياسين كانت الأخطر والأشد تأثيراً على مجريات حرب 1948 ونتائجها، حيث استثمرها القادة الصهاينة في نشر الإرهاب والرعب في نفوس الفلسطينيين .
وفي 10 /4 /1948 هاجمت عصابات الهاغاناه قرية ناصر الدين (قضاء طبرية) وأحرقتها وقتلت معظم سكانها وأخرجت الباقين تمهيداً للهجوم على طبرية، وقد دمّر الصهاينة بعد المذبحة جميع مساكن القرية، وكان عدد سكان القرية عام 1945 قرابة 90 فلسطينياً.
وفي 10 /4 /1948 هاجمت الهاغاناه قرية قالونيا ( بين القسطل والقدس) وأحرقتها، وفي 13 /4 /1948 هاجمت الهاغاناه قرية اللجون (قضاء جنين) وقتلت 13 عربياً، وفي 16 /4 /1948 هاجمت الهاغاناه قرية ساريس (طريق القدس) وهدمت معظم بيوتها وطردت سكانها، وبتاريخ 10 /4 /1973، نفذت مجموعة من القوات الخاصة الإسرائيلية بقيادة “ايهود باراك “في العاصمة اللبنانية، عملية تصفية قادة منظمة التحرير الفلسطينية الثلاث، الشهيد محمد يوسف النجار وزوجته والشهيد كمال عدوان والشهيد كمال ناصر، وبتاريخ 17 /4 /1988 ، نفذت القوات الخاصة الإسرائيلية بالعاصمة التونسية عملية تصفية الشهيد خليل الوزير”أبو جهاد” .
أما في نيسان/2002 فكانت أسطورة مخيم جنين التي وثقت كأبرز المعارك التي خاضها الفلسطينيون ضد قوات الاحتلال، إذ أجمع المتحدثون عن المعركة على أن أسطورة مخيم جنين شهد لها العدو قبل الصديق وباتت منهاجا يدرس في المعاهد والجامعات العسكرية العالمية، يتعلمون فيها أن ما حدث في مخيم جنين حقيقة لا من نسج الخيال، يتعلمون كيف يصمد ثلة من الشبان المقاومين أمام أعتى آلة عسكرية في العالم، وهذه الحقيقة الكبيرة ليست من نسج الخيال الفلسطيني، وسطّر أهل المخيم مقاتلين ونساء وشيوخا وأطفالا ملحمة بطولية صمودية أسطورية حقيقية، اخذت تترسخ وتتكرس في الوعي والذاكرة الوطنية النضالية الفلسطينية والعربية على أنها من أهم وأبرز وأعظم الملاحم.
وهكذا نقف في ختام هذه المراجعة لأبرز جرائم الاحتلال التي اقترفت خلال شهر نيسان على مدى العقود الماضية، أمام مشهد فلسطيني مثخن بالجرائم والمجازر الدموية الصهيونية التي تواصلت على مدى سنوات الاحتلال دون توقف، متجاوزة كافة المواثيق والقوانين والخطوط الحمراء الدولية.. لكننا نستذكر أيضا البطولات وملاحم الصمود والتصدي العربية في فلسطين.
نواف الزرو/من دير ياسين الى مخيم جنين
13
المقالة السابقة