لوحظ أن العنف المجتمعي الذي ألم ويلم ببلدنا كالتهابات حادة لمرض مزمن، قد اتبع في توقيتات انفجاراته، خطا بيانيا يمكننا، إذا عرفنا وحددنا كل انحناءاته، الوقوف على البيئة التي تتيحها؛ وربما على أسبابها أيضا.
لقد شهد العام 2009 مثل هذه الانفجارات التي رأيناها تندلع في أغلب محافظات المملكة تقريبا- معان والطفيلة والكرك والبلقاء وعجلون وإربد- في جامعاتها وبين عشائرها، أحيانا. وقد فشلت الحكومة، يومها، في معالجة الظاهرة، لاستخدامها، لهذه الغاية، وسائل وأدوات لم تعد تناسب العصر.
ثم خمد العنف، فجأة، صيف عام 2010، حين كان على الدولة أن تتجه للانتخابات النيابية للبرلمان السابق، واستمرت خامدة حتى بعيد الانتخابات في تشرين الثاني من العام نفسه، حين بدأت، يومها، مسيرات واعتصامات الربيع العربي التي استمرت بغير انقطاع حتى منتصف 2012.
وحين اتجهت الدولة بالكامل، مرة أخرى، نحو انتخابات البرلمان السابع عشر، كان العنف قد اختفى وكادت تموت معه، أيضا، المسيرات والاعتصامات التي انسحب مديروها نحو قارعة الطريق يراقبون، من مرتفعهم الترابي المصنوع، ما يجري من حركة أمامهم، مكتفين بالصراخ بشعاراتهم على كل السائرين عليه.
هنا يفرض نفسه السؤال: هل معنى ما قيل أن كلا العنف المجتمعي ومسيرات واعتصامات الربيع العربي في الأردن، ليسا سوى تسميتين مختلفتين للظاهرة نفسها؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل يعني هذا أن المشرف على كل فعالياتهما هيئة مركزية واحدة؟
نحن نقرأ الظاهرة ونقف عن المتشابه من نتائجها في كلتا الحالتين. في أحداث 16/ 11/ 2012 كان التخطيط للهجوم على الدولة مركزيا. فقد حدث الهجوم على مراكز الأمن والإدارة والممتلكات الحكومية العامة، والخاصة، في كل المحافظات بنفس الوقت- نفس الليلة- وبطريقة واحدة مكررة في كل الحالات. هناك تخطيط مركزي للعملية، بكل تأكيد.
وفي العنف المجتمعي القائم حاليا، هناك، اشتباكات في جامعات كثيرة وأحيانا في مدن بعيدة عن الجامعات، ولأسباب مفتعلة ولكن بنتائج متشابهة: التدمير وقطع الطرق والاعتداءات التي لا مبرر لها. أخبارها المؤكدة في وسائل الإعلام والبيانات الصادرة من الأجهزة الأمنية المختصة، تثبت ذلك.
اجتماع دولة الرئيس مع نواب المحافظات الجنوبية حول أحداث مؤتة، وما اتخذوه من إجراءات سيكون كافيا لحل بعض جوانب المشكلة شريطة تفعيل التوصية الثالثة من توصياتهم، بشكل خاص، القاضية « بتفعيل القوانين والانظمة ومعاقبة من تسبب بالاحداث، بمن فيهم من أطلق الرصاص.»
لا يختلف اثنان في أن ذلك يعني، على وجه التحديد، استرداد هيبة الدولة وسيادة القانون بصرامة تنهي المشكلة وتعاقب كل من تسبب بها: المتدخل فيها بنفسه، مباشرة، أو الذي استخدم أدواته، لهذه الغاية، بصورة غير مباشرة. فلا دولة بغير سيادة القانون على إقليمها
نحن واثقون أن الرئيس النسور، بما عرف عنه من حزم، وفهم لواقع الحال وقدرة على الإحاطة بكل عوامل النجاح واستخدامها بفعالية، سيتمكن من اجتثاث هذه الظاهرة من حياتنا، وخاصة أنه يعمل في بيئة اجتماعية صديقة لمشروعه تؤيد أقصى إجراءاته، نحو هذه الغاية. فالأردنيون، جميعا، وحيثما كانوا، وخاصة في المحافظات الجنوبية، قد تعبوا من حالة الفوضى وهذا الطيش الذي يكاد يشوه كل شيء.
فالح الطويل /العنف المجتمعي، مجدداً
14
المقالة السابقة