بالرغم من حالة الغضب التي تسود قطاعا واسعا من المصريين بسبب الأخطاء المتكررة وضعف الكفاءة لدى جماعة “الإخوان المسلمين” والرئيس محمد مرسي، فإن سؤال ما بعد الإخوان لا يلقى نصيبا وافراً فى النقاش الدائر حول مستقل الأوضاع فى مصر. ويبدو أن أولئك الذين يعارضون الإخوان ليس لديهم تصور عما يجب أن يحدث بعد الإخوان أو فى حالة فشلهم وخروجهم من السلطة بافتراض أن ذلك سوف يحدث قريبا. وهى مشكلة ترتبط بضعف قدرة النخبة المصرية على توفير بدائل حقيقية سواء كان ذلك فى شكل أحزاب وجماعات سياسية قوية يمكنها مقارعة الإخوان انتخابيا واجتماعيا أو فى شكل برامج واقعية ورؤى عملية لحل المشاكل المصرية المتراكمة.
ولعل جزءا رئيسيا من هذه المشكلة هو انشغال الكثيرين من المعارضة بهدف واحد فقط هو التخلص من حكم الإخوان بأي ثمن وفى أسرع وقت ممكن بغض النظر عن البديل. وهو هدف عدمى وغير فعال لأكثر من سبب. فمن جهة فقد وصل الإخوان للحكم بشكل ديمقراطي ومن خلال آليات اتسمت بدرجة عالية من النزاهة والشفافية وبالتالي فإن إخراجهم من السلطة لابد وأن يتم بنفس الطريقة والآليات. ثانيا ليس كافيا أن يتم انتقاد الإخوان والعمل على إفشالهم بكافة الوسائل دون تقديم بديل مقنع يمكنه أن يحوز قناعة وثقة المصريين. فما تطرحه المعارضة هو مجرد خطاب انتقادي عنيف كثير منه قائم على تحيزات إيديولوجية وشخصية ضد الإخوان بعيدا عن توفير البرامج والسياسات البديلة. وهو أمر يعززه وجود نوع من التحالف الضمنى بين فلول النظام القديم وبعض الرموز السياسية والإعلامية التي تخشى من أن تضار مصالحها أو تمس امبراطورياتها المالية بسبب الإخوان. وهو أمر يثير الشفقة والاستغراب. فالإخوان المسلمون لم يعلنوا (وربما ليس لديهم) برنامج لتطهير مؤسسات الدولة من الفساد العطن الذي يملأ أركانها بل وتصالحوا مع كثير من رموز النظام السابق. بكلمات أخرى ليس لدى الإخوان آليات لتخويف أو ترهيب النظام القديم وهو ما شجع بعض رموزه على العودة من جديد وتوظيف أدواته ضد الإخوان. لذا فقد ارتكب الرئيس مرسي خطأ كبيرا حين لم يقدم برنامجا شاملا للتطهير والقضاء على كل ما له علاقة بالنظام القديم الذي استغل أخطاء الإخوان ويحاول الآن العودة إلى المشهد السياسي.
لذا فإن مصر تبدو الآن معلقة بين فصيل يملك ولا يحكم وهو الإخوان المسلمون، وفصيل متمرد لا يقبل أى حلول وسط وهدفه الوحيد هو إزاحة الإخوان من السلطة بأي ثمن. وبينهما يقف المجتمع المصري فى حالة أزمة متواصلة وهو أمر لا يبدو أنه سوف ينتهي قريبا.
د. خليل العناني
كاتب وأكاديمي مصري، جامعة دورهام بريطانيا