جريمة أخرى أضافها كيان الاحتلال الصهيوني إلى رصيد جرائمه التي لا ولن تنتهي ضد الشعب الفلسطيني والتي تتعدد ألوانها وتتنوع صنوفها، وذلك حين عمد إلى قطع المياه بشكل كامل عن عشر قرى شمال غرب القدس المحتلة في الضفة الغربية، وهي قرى في الأساس تعاني من شح المياه التي تعيش عليها بسبب أسلوب التضييق والخنق الذي يتبعه الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين بصفة خاصة. إن لجوء الاحتلال إلى هذه الممارسة الإجرامية تؤكد أن رحم الإجرام لكيان الاحتلال الصهيوني نسالة لشتى أنواع الجرائم في إطار الإبادة الممنهجة والإرهاب المنظم الذي يمارسه بحق الشعب الفلسطيني، من تجويع وتعطيش وحصار واعتقال واغتيال وهلم جرا.
وعلى الرغم من هذا التنوع في جرائم الحرب والانتهاكات ضد الإنسانية للاحتلال الصهيوني والمستمرة منذ ما يزيد على أربع وستين سنة، والمرتكبة ضد شعب أعزل يطالب بالحرية واستعادة حقوقه المسلوبة، فإن القواميس السياسية والقانونية العربية تخلو من هذه الجرائم وإدانتها وأساليب ملاحقتها وتجريمها، بل حذفت عمدًا في ظل ما سمي زورًا بـ”الربيع العربي”، فلم يعد لها اليوم ذكر، إلا بمقدار ما يجب أن يكون لذر الرماد في العيون وللتغطية على أساليب العمالة والخيانة في ملفات عربية أخرى.
نعم بكل امتياز، نجح الغرب بقيادة الولايات المتحدة وحليفه الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني في تغيير اتجاه مقدمة رمح الحراكات العربية، فبدلًا أن تتجه إلى إنهاء مظاهر الفساد والفقر والظلم والتخلف والتبعية والعمالة والخيانة، ومناصرة الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة لاستعادة حقوقه ونيل حريته، اتجهت إلى القلب النابض للجسد العربي، مُحدِثةً تمزقات وجروحًا نازفة. كما نجح بامتياز في تسميم رمح الحراكات بسم الطائفية المقيتة، ليتحول بين عشية وضحاها عنوان المشهد العربي من الصراع العربي ـ الصهيوني، إلى صراع طائفي (سني ـ شيعي)، مستفيدًا هذا الغرب من نجاح تجربته في العراق الذي أُخْصِبت أرضه لكي تقبل هذا البذر الشيطاني، وما خيار جامعة الدول العربية الأخير نحو العسكرة والمحاصرة والتحركات السياسية والدبلوماسية ضد سوريا إلا إحدى الثمار اليانعة التي يقطفها بكل فخر وتعالٍ وتباهٍ كيان الاحتلال الصهيوني تحديدًا، معلنًا أنه لن يكون هناك تهديد لهذا الكيان الغاصب خلال العشرين السنة القادمة؛ لأن التقسيم الطائفي لسوريا لثلاث دويلات أصبح واقعًا، حيث تؤكد تقييمات استخباراته النية في إنشاء كانتونات كردية ودرزية وعلوية وسنية، وأن جبهة الجولان السورية المحتلة لن يكون فيها تهديد جدي خلال العشرين السنة القادمة سوى من حزب الله فقط.
إن هذا الواقع الجديد الذي استطاع كيان الاحتلال الصهيوني وبالتعاون مع حلفائه وعملائه في إيجاده سيضمن له الهدوء اللازم لتكريس العمل في تنفيذ مشاريعه الاستعمارية والاستيطانية والاتجاه نحو تصفية القضية الفلسطينية، مع توارد أنباء عن مخطط صهيو ـ أميركي لاقتطاع جزء من أراضي سيناء المصرية لتكون وطنًا بديلًا للشعب الفلسطيني مقابل تعويض يبلغ ستين مليار دولار تودع في الخزانة المصرية المفلسة، وعلى ألا يكون الجزء المقتطع ملكًا للفلسطينيين وإنما ملكيته للدولة المصرية، الأمر الذي يكشف الأسباب التي تقف وراء توتير جبهة سيناء وملئها بالمسلحين وإرهاق كاهل الدولة المصرية بملفها، لكي تظل محل مساومة وابتزاز لمصر، وهو ما يقود أيضًا إلى أن العصابات المسلحة والإرهابية صناعة صهيو ـ أميركية تحرك في الزمان والمكان المستهدفين.
على أن الفضل الأكبر في حالة الانتشاء للصهاينة والتخطيط لهدوء يستمر لعشرين سنة قادمة يعود إلى من يطلقون على أنفسهم “ثوارا” و”أحرارا” بتحالفهم مع كيان الاحتلال الصهيوني الذي أقام مستشفى ميدانيًّا على جبهة الجولان السورية المحتلة خاصًّا لعلاجهم، في وقت يستمر فيه هذا الكيان في قتل الفلسطينيين في سجونه ومعتقلاته وخارجها، بالإَضافة إلى مدهم (ثوار سوريا) بالمال والسلاح وإحداثيات تحركات الجيش العربي السوري عبر الأقمار الاصطناعية الصهيونية، والذين أزاحوا عن كاهله هاجسًا مؤرقًا، وهو ما يدحض افتراءاتهم بأن الحكومة السورية حليفة وتعمل على تأمين حدود كيان الاحتلال بدليل أنها لم تطلق طلقة واحدة باتجاهه، ويعود الفضل كذلك لحكومة أنقرة بإكمال الدور بدعم هؤلاء “الأحرار” بالمال والسلاح والتدريب نحو تقسيم سوريا، والفضل والشكر موصولان لجامعة الدول العربية على مواقف العسكرتاريا ضد دول عربية، واعتبار العسكرة خطًّا أحمر بالنسبة للقضية الفلسطينية.
خميس التوبي/هل وضح من هو الحليف لكيان الاحتلال؟
24
المقالة السابقة