“هناك قوى ظلامية تسعى لتفكيك الدول والمؤسسات، وتعمل بدون كلل لإشعال الفتنة بين مختلف الطوائف التي تعايشت الى الآن بكل هدوء، وذلك، ويا لسخرية القدر، باسم الديموقراطية والربيع العربي”. بهذه الكلمات توجه البطريرك الماروني بشارة الراعي الى سفير فرنسا، داعمة “الربيع العربي” اولا في ليبيا، واليوم في سوريا. بهذه الكلمات التي تشبه في روحيتها الكلام الذي قاله قبل عامين تقريبا للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي خلال زيارته الرسمية الاولى بطريركا لفرنسا. وقد اختلف يومها مع مضيفه، ثم خرج ليصرح للصحافة، فكرر الموقف نفسه بما معناه: “بشار الاسد مسكين ولا بد من اعطائه مزيدا من الوقت لكي يجري اصلاحات”. ولا شك ان البطريرك يذكر جيدا انه يوم كان يدافع عن بشار تحت شعار “الخوف على الاقليات” والمسيحيين تحديدا، كان عدد القتلى من الشعب السوري على يد بشار قد تجاوز عشرة آلاف او ما يزيد، وكان الشبان والشابات المسالمون يقتلون في شوارع سوريا من اقصاها الى اقصاها. اكثر من ذلك كان الاطفال يتساقطون كالطيور الطريدة، ورمزهم حمزة الخطيب ابن العاشرة الذي عذب وجرى التمثيل بجثته. وهل نذكر انه في تلك المرحلة السلمية من الثورة السورية كان رجال بشار يخطفون الفتيات من امام مدارسهن ويغتصبونهن للضغط على اهاليهن او اخوتهن المنخرطين في التظاهرات السلمية؟ والحق ان المسلسل طويل، لا بل طويل جدا. يومها لام البطريرك الراعي الاعلام، واعتبر انه جرى تحريف اقواله.
البطريرك الراعي نفسه قال خلال القداس المقام على نية فرنسا كلاما لا يقوله إلا اعلام نظام بشار الاسد. وهذا ما نأسف له، لانه المنطق عينه الذي يعشش في ثنايا مشروع قانون الانتخاب المسمى جوازا “الارثوذكسي”، وهو عينه الذي ينهل منه “حزب الله” والنائب ميشال عون اللذان لا يوفران فرصة او مناسبة لوضع المسيحيين في مواجهة الثورات العربية، ولا سيما تلك المشتعلة في سوريا، إلا ويلتقطانها من اجل النفخ في نار تودي بالمسيحيين الى ربط مصيرهم بنظام ساقط في مطلق الاحوال. والاخطر من هذه النظرة الاحادية الجانب والظالمة جدا لكونها صادرة عن الحبر الاول في الكنيسة المارونية، انها تضع الكنيسة، وبالتالي رعاياها، في موقع عدائي للبيئة الاسلامية الغالبة في المشرق العربي، لانها تُقرأ على انها اصطفاف كنيسة مسيحية كبرى في المشرق الى جانب النظام في سوريا ضد الغالبية العظمى من الشعب الثائر. وهذا لا يخدم الكنيسة، ولا رعاياها، ولا حتى لبنان الذي يتأثر كثيرا بالازمة في سوريا، وسيتأثر اكثر يوم يفيق الناس في دمشق على خبر هروب الاسد واركانه وسقوط النظام رسميا.
نحن لا نريد ان نسيء الظن بالبطريرك الجزيل الاحترام. ولكن حبذا لو استحضر بفكره مئة الف شهيد سقطوا على يد بشار الاسد فيما كان يحرر عظته الاخيرة. قصارى القول ان كل عظات الدنيا وخطبها لن تغيّر شيئا في المآل النهائي في سوريا. فبشار يا صاحب الغبطة هو الماضي، اما الشعب فهو المستقبل.
علي حمادة/كل عظات الدنيا لن تنقذ بشّار
23
المقالة السابقة