لم تغادر حكومة النسور التركيبة التقليدية التي صنعت الحكومات وإن كانت تحركت من المربع الأول بما وعدت أن تقوم به لاحقاً، وأيضاً في الأجواء التي أقامتها قبل التشكيل وأثنائه وحتى اعلان الأسماء..
من الايجابيات أن تمثيل هذه الحكومة أوسع رغم رشاقتها وقلة عدد وزرائها خدمة للتوجه الجديد الذي أخذ به الدكتور النسور في إشارة منه لخفض الانفاق وتكثيف العمل فقد حاولت هذه الحكومة أن ترضي التكنوقراط والجهوية وأن تحمل طاقة جديدة من خلال أسماء بعض وزرائها.
يحق لأي طرف سياسي حريص أن ينقد الحكومة فهي قابلة للنقد لأكثر من سبب وما زالت هذه الحكومة نباتاً من منطقة التحولات التي لم تحسم بعد حتى وإن سارت هذه التحولات بخطوات بطيئة فعطاء الاصلاح لا توجد له روافع تحمله حين أراد الملك أن يرسيه وذلك لغياب الأحزاب التي تاخرنا في اطلاقها عشرين سنة وقبلنا أن تكون شكلية ديكورية إلى حد بعيد فظل حزب واحد ينفرد بالساحة مما جعل امكانية ارساء الاصلاح عليه مسألة فيها وجهة نظر وسنبقى نشعر بالمراوحة والأزمة إلى أن تحمل الأحزاب المسؤولية في البرلمان ومن خلال المشاركة في الحكومات وهذا ما جعل الدكتور النسور يحيل تشكيل الحكومة البرلمانية أو شبه البرلمانية أو تطعيم الحكومة بالنواب لمرحلة لاحقة في الوقت المقتطع حتى شهر (10) اكتوبر تشرين الأول القادم ليرى ما إذا كانت التجربة ستسير بهذا الاتجاه بعد أن يحصد الثقة لحكومته الحالية على قاعدة الوعد بإدخال النواب..
آخذ على الاخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الاسلامي المنبثق منها ممارسة الموقف الاستباقي الاتهامي وذا الطبيعة الاسقاطية بتوزيع بيان الحزب الذي يتهم الحكومة بالتوجه الأمني لأن وزير الداخلية كان مديراً للأمن العام وهذه مسألة خلافية إذ ليس بالضرورة أن يمارس العسكري نمطاً أمنياً وبالمقابل يمكن أن يمارس الموقع المدني أو يمارس فيه اجراءات أمنية وطواريء كما ان البيان حمّل الحكومة التي ما زالت لم تخط خطوات أولى الكثير من الصفات والتوصيف والاتهامية واللوم أنها لا تمثل ألواناً او أطيافاً سياسية واسعة ولم تشرك المعارضة فيها.
ويبدو أن الحزب وجماعته ما زالوا يأمرون الناس بالمعروف وينسون أنفسهم حين لم يشاركوا في الطبخة أصلاً سواء في الانتخابات أو المشاورات ليخدموا أطرافا ظلت حريصة على عدم مشاركتهم وراحوا يرجمون الحكومة وتشكيلها بالتهم والنقص وعدم التمثيل ووصل الأمر بهم إلى اتهامها بعدم الشرعية الشعبية رغم أنها ستقف أمام برلمان منتخب يعطي ثقته فيها ويحاسبها، كنت أتمنى على الحزب لو اجل بيانه وانتظر حتى يأتي الصبي ويصلي على النبي ولكن استمرار الانطلاق من فكرة «عنز ولو طارت» إمعاناً في مواقف اعترض عليها جناح من الاخوان أنفسهم حين تسبب النزف والتطرف من بعض الصقور في حرمان الأغلبية في صفوف الاخوان والجبهة ومناصريهم من المشاركة..
لقد أثبتت التجربة الأردنية أن التغيير من الداخل أنجح وأنجع وأسلم وأن البقاء في الشارع يبقى على الواقف ولا يعطيه كرسياً في القطار السائر والدليل أن الدكتور النسور كان في معارضة الصوت الواحد وأشكال أخرى من الممارسة وها هو الآن في الحكم ومع أنه يبدي انسجامه مع ما ورثه أو ما هو قائم إلا أنه قد يمارس قناعاته من خلال العمل ومن خلال دفع المواقف للاقتراب الى التصورات التي يعتقدها وخاصة في قانون الانتخاب الذي وعد بإعادة فتحه في البرلمان للتغيير والاضافة وإعادة الانتاج آخذاً ايضاً بالقناعات الملكية وبالوعود التي كانت قدمت للمعارضة على أن تدخل للمشاركة وتعمل من تحت القبة أو من خلال المشاركة وأعتقد أن الوعد ما زال قائماً، اعترفت المعارضة الاسلامية بالتغيير أم لم تعترف لأن التغيير وتعزيز مسيرة الاصلاح السياسي وتعميقها مصلحة وطنية أردنية في الدرجة الأولى لا يجوز اغفالها أو التهاون معها أو البطء في خطواتها..
سنحكم على هذه الحكومة من خلال العمل والممارسة والتوجه ولكل حادث حديث..
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب/حكومة النسور الثانية.. تحديات كبيرة
14
المقالة السابقة