دون تشاؤم أو تفاؤل، ودون تهويل أو تهوين، فإن الانقسام الفتحاوي/ الحمساوي – في أعين كثير من المراقبين – يتعمق باجراءات وتصريحات من كلا الطرفين. (فالحركتان) ماضيتان في تبادل الاتهامات والتحريض.
نعلم أن قرار «المصالحة» ليس قرارا فلسطينيا/ فلسطينيا أو حتى عربيا فحسب. فعمليا، ثمة أطراف إقليمية ودولية لها «حصة» في هذا القرار! لكن، باتت هناك قناعات عند الكثيرين بأن لدى كل من فتح وحماس ما يبرر عدم حصول المصالحة. فحماس تصر على أن السبب الأبرز لعدم إتمام المصالحة، يعود لوجود «فيتو أمريكي» وإسرائيلي، والخروج من هذا المأزق لن يتم إلا بتحدي فتح لهذا الفيتو. في المقابل، تتهم فتح حماس بالارتباط بأجندات إقليمية، وبالتالي فإن نجاح الحوار أصبح مرهونا بالتطورات التي تحدث في المنطقة. هذا، ولنلاحظ أنه فقط قبل أيام، رحب الرئيس عباس وحركة حماس بدعوة أمير قطر لعقد قمة عربية مصغرة برئاسة مصر في القاهرة بحضور حركتي فتح وحماس لتسريع انجاز المصالحة الفلسطينية. فدعونا ننتظر قليلا لنرى مصير هذه الدعوة!
من واقع اجتماع اللجنة المكلفة بتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية يومي 8 و9/ 2/ 2013، تفاءلنا بحذر لكن سرعان ما تبين أن الأزمة جد كبيرة وخطيرة، وأن هناك مساعي خبيثة هدفها إفشال القضية النبيلة الخاصة بالمصالحة (على درب إنهاء الانقسام). ففي أعقاب الاجتماع، انفجرت معركة سياسية/ إعلامية عبر فيها عدد من المسؤولين الفلسطينيين عن خوفهم الحقيقي من أن ما يجري هو مجرد مظلة لإبقاء الأمر الواقع على حاله: «بلديتان» واحدة في الضفة الغربية والأخرى في قطاع غزة في ظل اتهامات متبادلة بأن كلا الطرفين يتصل سرا بإسرائيل وينسق معها، ربما حتى ضد الآخر: فحماس بالنسبة لبعض فتح «حركة لها برنامجها السياسي منذ انقلابها الدموي، تعطل المصالحة بذرائع مختلفة، وتعتبر اختطاف قطاع غزة جغرافيا وديمغرافيا ورقة قوة تساوم بها الاحتلال، وهي تبحث عن السلطة ولا يهمها مصير الوطن». بالمقابل، فتح بالنسبة لبعض حماس حركة «ألقت السلاح وباتت ترفض المقاومة تعالج الملف الأمني لسلطات الاحتلال بطريقة تقرها تل أبيب عبر المداهمة والاعتقال والترهيب».
ها قد مر أكثر من شهر على الاجتماع الأخير في القاهرة، ولم يتمخض أي انجاز ملموس على صعيد إعادة الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وكل طرف يتهم الآخر بإفشال المصالحة، بل تزايدت الاتهامات الإعلامية بين الطرفين. ففي ندوة بعنوان «المصالحة الفلسطينية آفاق وتحديات» نظمتها الهيئة الطلابية بكلية العلوم والتكنولوجيا بخان يونس، أكد الدكتور (يحيى موسى العبادسة) النائب في المجلس التشريعي عن كتلة التغير والإصلاح، أن «هناك العديد من العقبات التي تُعكر جو المصالحة وبدونها يصعب تحقيقها»، موضحاً أن «منظمة التحرير وأذرعها غائبة فعلياً في حين أن السلطة الفلسطينية باتت أكبر منها بالرغم من كون المنظمة هي التي أوجدتها كسلطة حكم ذاتي وأنها وصلت الى نقطة تكاد فيها أن تكون «غير موجودة». بالمقابل، سجل القيادي في حركة فتح وعضو لجنة المصالحة (صخر بسيسو) ما اعتبره جهود قيادات في حركة حماس وبعض الأعضاء فى المجلس التشريعى بغزة ضد إنهاء الانقسام. وأضاف (بسيسو): «إن أعضاء حماس ينظرون إلى الضرر الذى سيعود على مصالحهم الاقتصادية من غلق الأنفاق عقب إتمام المصالحة»، مرددا أن «تأجيلها سيكون له تأثير على دخل قيادات حماس في غزة، ومن ثم تعمل حماس على «ابتزاز» مصر بأن تعمل على فتح المعبر بشكل نهائي ليكون معبراً تجارياً أو أنها تعطل المصالحة». وختم (بسيسو) قائلا: «حماس لا تريد المصالحة، وأن قياداتها فى غزة تريد تأجيل الانتخابات»، مضيفًا أن عقلية قيادات حماس وتصريحاتهم تدل على «عقلية غير ناضجة باتجاه المشاركة مع الآخر». ثم سرعان ما ظهر الأمر جليا في المشادة الكلامية وما تبعها بين مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح (عزام الأحمد)، ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة حماس (عزيز الدويك) حيث تكشف إلى أي حد لا يزال الخلاف بين الحركتين عميقا، حتى أنه وصل حد التخوين!
«فتح» و»حماس» كل منهما يحاول أن يثبت للشعب الفلسطيني أنه على صواب، وأنه الصادق في مسألة الرغبة في المصالحة (على درب إنهاء الانقسام)، غير أن جماهير واسعة (عربية ومن ضمنها فلسطينية) ترى أن كلا الحركتين – في المحصلة – يحولان القضية الفلسطينية من قضية وجود وتحرر من الاحتلال إلى صراع مصالح وكراسي بينهما، الأمر الذي يطيل أمد الانقسام الداخلي والعودة بها إلى المربع الأول ما يكرس الأزمة الداخلية للشعب الفلسطيني.. ويعرض مصالحه للخطر الداهم!.
د.أسعد عبد الرحمن /المصالحة الفلسطينية: على القضية السلام ؟!
11
المقالة السابقة