وأخيراً انكشف الغطاء(وهو مكشوف أصلاً لكن البعض لا يرى!) عن زيارة الرئيس أوباما لكل من إسرائيل ورام الله والأردن،والتي جاءت في 98% منها تأييداً لإسرائيل. ولأطروحاتها. ولرؤاها التسوية سواء مع الفلسطينيين أو العرب.بداية:أذكر تلك الحالة الأيفورية(الانبساط والفرح الشديدين) التي تلبّست العديدين من السياسيين والكتّاب والصحافيين العرب(بمن فيهم الفلسطينيين) في لصق الأوصاف المتفائلة كثيراً بأوباما بعد فوزه في ولايته الأولى في عام 2008.هؤلاء تفاءلوا واعتقدوا:أن أمريكا في عهده ستُنصف الفلسطينيين والعرب،وأنه سيتصدى للوبي الصهيوني في أمريكا. وأنها ستبدأ عهداً جديداً في العلاقات مع قضايا العالم، ووصل الأمر ببعضهم إلى إطلاق اسم أبو حسين عليه(تيمناً باسم والده) وأن أوباما أصلاً من إفريقيا ومن المسحوقين،وأن الدولة الفلسطينية ستقام في عهده،حتى إن الرئيس عباس اعتبر موضوع إقامتها(ديناً في عنق أوباما-في مخاطبته له في واشنطن في الأمم المتحدة وفق مقاييس الشهامة العربية!) والبعض صوّر أوباما(بالمسلم رغم اعتناقه للمسيحية!).
ترافق ذلك. وإمعاناً في الديماغوجية:أن الولايات المتحدة زادت من مراكز أبحاثها للدراسات التي تتناول العلاقة بين الولايات المتحدة والدول العربية والإسلامية،ودعت الكثيرين من النشطاء العرب(خاصة من الشباب) لزيارتها…كل ذلك كان بهدف:الاقتراب من جواب السؤال:لماذا يكرهوننا؟أسهمت كلمتا الرئيس أوباما في أنقرة وفي جامعة القاهرة وتلفظه ببعض الكلمات العربية،واستشهاده بمعاني بعض الآيات القرآنية، وإصراره على وقف إسرائيل للاستيطان في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية كشرط رئيسي لإعادة المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية….كل ذلك وغيره من السياسات المزيّفة أسهم في ازدياد حدة حالة(الانبساط الشديد) لدى أولئك المتفائلين. إلى الحد الذي أسقطوا فيه رغباتهم الشخصية على سياسات الرئيس أوباما.من جهة فالوقائع في منتهى الوضوح لمن يريد رؤيتها على حقيقتها دون تزويق ودون رتوش.من جهة أخرى:فإن بعض الحقائق من المفترض أن تصل إلى حدود اليقينيات العقلية والذهنية. فهي أصبحت بمثابة القوانين غير المكتوبة ومنها:أن الإدارات الأمريكية المختلفة لكافة الرؤساء الأمريكيين هي بمثابة الواجهات(ليس إلاّ) لصاحب الحكم الفعلي في أمريكا وهو:المجمع الصناعي العسكري بالتحالف مع رأس المال المالي على صعيد السياسات الخارجية ومنها:العلاقة مع إسرائيل.لذلك نرى أن كل إدارة أمريكية في عهد مطلق رئيس تطمح الوصول إلى مركز”الأشد إخلاصاً لإسرائيل”.من جانبه يحاول كل رئيس أمريكي الوصول إلى هذه الصفة.لذا فإن محللينا يصفون كل إدارة أمريكية لأي رئيس جديد(بأنها الأخلص لإسرائيل)!في الحقيقة أن كافة الإدارات الأمريكية تُعتبر:(الأكثر إخلاصاً لإسرائيل).
لقد أجرت صحيفة”ذي ماركر” الاقتصادية التابعة لصحيفة”هآرتس”الإسرائيلية مؤخراً إحصاءات اقتصادية عن المساعدات المالية الأمريكية لإسرائيل على مدى63 عاماً، وخلصت إلى نتيجة مفادها:أن حجم المساعدات المالية الأمريكية على مدى هذه الفترة تساوي 113 مليار دولار (تساوي في الزمن الحالي 234 مليار دولار)،إضافة إلى أكثر من 19 مليار دولار كضمانات مالية أمريكية كي تنجح إسرائيل في تحصيل قروض في العالم.هذا عدا عن المساعدات العسكرية والتكنولوجية والعينية الأخرى. بالنسبة لزيارة أوباما،عكست الصحافة الإسرائيلية على مدى يومين حجم التأييد الأمريكي لإسرائيل، سواء في عناوين ومحتويات أعمدة الكتّاب:زلمان شوفال عنون مقالته:زيارة أوباما:الأمن الإسرائيلي قبل التنازلات(صحيفة إسرائيل هيوم 20/3/2013).تسفي برئيل كتب في نفس الصحيفة والتاريخ مقالةً بعنوان:”جاء ليقول سلاماً لا ليفعل”.نداف إيال كتب في صحيفة”معاريف”(20/3/2013) مقالاً يقول فيه:”ثمة كتّاب أمريكيون هامون يقولون إن أوباما جاء إلى المنطقة كسائح.احترامهم محفوظ،ولكن بتواضع شرق أوسطي نقول:لا يمكن لرئيس أمريكي أو أي زعيم دولي أن يأتي كسائح إلى إسرائيل،فلا يمكنه أن يكون سائحاً عندما تطأ قدمه أرض إسرائيل(تصورا الغرور).عوزي رابي في موقع إلكتروني إسرائيلي(21/3/2013) وصف زيارة أوباما بأنها”صحوة أمريكية”،جدعون ليفي في صحيفة”هآرتس”(21/3/2013) وصف أوباما بــ”المسيح المخلّص”.إبراهام بن تسفي كتب في صحيفة”إسرائيل هيوم”(21/3/2013)مقالة بعنوان:إسرائيل جزيرة استقرار: قال فيها:كان كلام أوباما في أثناء المراسم في مطار بن غوريون يشبه توبة وإصلاحاً حينما وسّع الحديث عن تراب الشعب اليهودي القديم وعن الجذور التاريخية العميقة للصلة بأرض الآباء.يأمل أوباما أن تجعل هذه الإستراتيجية الجديدة،إسرائيل أكثر ارتياحاً وسكوناً فيما يتعلق بالتزام أمريكا: أن تواجه بكامل الحزم جملة الأخطار والتحديات الإقليمية التي تتعرض لها إسرائيل”.
أوردت ببعض التوسع ما عكسه الكتّاب الإسرائيليون في مقالاتهم عن نتائج زيارة أوباما الفعلية والتي تتلخص في جملة واحدة:المزيد من التأييد لإسرائيل في كافة المجالات:الأمن. القوة العسكرية والتسليحية. التقدم التكنولوجي.حق إسرائيل في”يهودية دولتها”الالتزام الكامل بوجود إسرائيل، وأن على الدول العربية أن تقوم بالتطبيع مع إسرائيل حتى في ظل استيطانها. الذي لا يعتبر وقفة شرطاً لإعادة التفاوض الفلسطيني معها.على الفلسطينيين والعرب الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل.حركتا حماس وحزب الله هما فصيلان إرهابيان.وغير ذلك من أقوال التأييد الكامل لإسرائيل.زيادة في رجحان كفة الميزان في التأييد لإسرائيل: حرص أوباما على حل الخلاف التركي – الإسرائيلي فقد اتصل من هاتفه الخاص بأردوغان ليحثه على إعادة أفضل العلاقات مع الدولة الصهيونية ثم ناول الهاتف لنتنياهو بعد أن شجّعه على تقديم اعتذار شكلي لتركيا. وبالفعل عادت العلاقات بين البلدين(والتي لم تنقطع يوما) إلى شكل أفضل من السابقة. لمن لا يعرف: هذا هو حرص أوباما على إسرائيل عكسا لما يسمى بوجود(تناقضات!) بين أوباما ونتنياهو.
هناك فرق جوهري بين الكتّاب الإسرائيليين والبعض من الكتّاب العرب. المتفائلين في الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية وعموم القضايا العربية، بينما الإسرائيليون يرون الواقع كما هو وعلى حقيقته.نقول ذلك لأن موجة التفاؤل عادت إلى الأذهان لدى العديدين: من خطاب أوباما بمناسبة بداية ولايته الثانية، إذ بدأ الحديث عن تحرره من ضغوط اللوبي الصهيوني، وعن تناقضه مع نتنياهو، وعن إستراتيجية أمريكية جديدة ونهج سياسي جديد تخطته الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة إن بالنسبة للوطن العربي أو بالنسبة للقضايا الدولية. ماذا أثبتت زيارة أوباما لإسرائيل؟ كشفت حقيقة عن تطابق السياستين الإسرائيلية والأمريكية فيما يتعلق بالنسبة للمشروع النووي الإيراني. وفيما يتعلق بالموقف من سوريا.أوباما كان واضحاً في مؤتمره الصحفي مع نتنياهو عندما قال:إن سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران هي في منعها من امتلاك السلاح النووي وليس احتواءه(والفرق كبير بين التعبيرين) وأن كل الخيارات مطروحة بما فيها:الخيار العسكري. نعم هناك اختلاف في التقييمات بين السياسيين الإسرائيليين وبعض أمثالهم من الفلسطينيين والعرب.فأولئك يبتزون أي رئيس أمريكي. يقولون له: نعم ولكنهم يطالبونه بالمزيد من الخطوات ولو عن طريق الابتزاز،فما يفعله الرئيس الأمريكي دائماً”ليس كافياً”أما بعض سياسيينا فيراهنون على كل همسة من مسؤول أمريكي، ويبنون أحلاماً وتوقعات غير حقيقية عليها:الرئيس الفلسطيني قام بتأجيل طرح عضوية المراقب الدولة فلسطين في الجمعية العامة لما بعد الانتخابات الأمريكية بطلب من أوباما،أملاً في كسب الموافقة الأمريكية على الطلب الفلسطيني…ولكن خاب ظنه.كذلك قام بتأجيل إقامة حكومة مؤقتة وتحديد موعد انتخابات فلسطينية تشريعية ورئاسية وذلك وفقاً لاتفاق القاهرة الأخير مع حماس إلى ما بعد انتهاء زيارة أوباما!
أوباما زار مناطق السلطة لبضع ساعات فقط(الزيارات جاء رفع عتب) ولم يزر ضريح عرفات. مع أنه زار ضريح هرتزل ورابين(شريك عرفات في اتفاقيات أوسلو) وزار المتحف اليهودي(رغم سرقة مخطوطات فلسطينية هي الآن موجود فيه) وزار نصب(محرقة اليهود-إياد فاشيم) ولم ير التمييز العنصري ضد الفلسطينيين! ورفض استقبال عائلات أسرى فلسطينيين في السجون والمتعقلات الصهيونية.كلامه عن دولة فلسطينية كان حديثاً عاماً. وهو يدرك أنها لن تقوم! فلقد سبق لبوش الابن وكلينتون أن: وعدا بإقامتها ولم تقم، وراهن الحالمون على وعودهما. تماماً مثلما يراهنون على وعود أوباما.ولكن الكل خيّب آمالهم وتوقعاتهم.