في لقائه مع وكالة الأنباء الأميركية “الأسوشيتد برس” الأسبوع الماضي، قال العاهل الأردني” إن تحقيق حل الدولتين هو جزء من مصلحتنا الإستراتيجية الوطنية، ومفتاح الاستقرار في منطقتنا، وهذا هو سبب عملنا الدائم، وسوف نواصل العمل بأقصى ما في وسعنا لتحقيق هذا الهدف”، فالفرص من وجهة نظر الملك عبد الله كادت تنفد، وهذا أحد أسباب القلق الأردني رسمياً وشعبياً، على فلسطين ومنها على الأردن.
فإسرائيل توسعت عام 1967، على حساب الأردن، من خلال اجتياحها للضفة الفلسطينية واحتلالها بعد أن كانت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، وضمها للقدس، وبناء المستوطنات الكبيرة عليها، وسعت لاغتيال خالد مشعل العام 1999 في عمان، وهو في حماية الأمن الأردني ورعايته، وهي تعمل على تعطيل حصول الأردن على مساعدات لبناء مفاعل نووي للأغراض السلمية، وعرقلة مشروع قناة البحرين بين خليج العقبة والبحر الميت، وإبقاء الأردن أسير حاجته للطاقة وللمياه، واستمرار فقره، وعنواناً للعوز و” الشحدة ” من قبل الدول المانحة، وحصيلة ذلك العمل على إضعافه ودفعه نحو الرضوخ للابتزاز وعدم الاستقلالية في قراراته الاقتصادية والسياسية.
مشروع الاحتلال الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، قام على سياسة وإدارة تجعل من الأرض الفلسطينية طاردة لشعبها، وإلى أين ؟؟ إلى الأردن بشكل خاص، مما يسبب مجموعة من العوامل المقلقة للأردنيين وفي طليعتها :
أولاً : خلل ديمغرافي سكاني يمس بالهوية الوطنية الأردنية ومكوناتها .
ثانياً : تبعات اقتصادية على شعب محدود الموارد والفرص والإمكانات .
ثالثاً : احتياجات مائية يصعب توفرها لبلد شحيح في مصادره المائية .
رابعاً : ضغوط أمنية تصادمية، تجعل من فلسطين والفلسطينيين قضية أمنية أردنية بالدرجة الأولى، ضاغطة على أمن الأردن الداخلي، بدلاً من أن تكون عنواناً قومياً لواجب أردني يدعم الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، يتحول الاهتمام الأردني من تأدية الواجب نحو فلسطين، فتتحول أولوياته نحو حماية أمنه الداخلي، وبذلك تتعطل قدراته للإسهام بدعم نضال الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه في وطنه فلسطين وليس خارجها.
واستناداً لمعطيات الواقع، والعوامل الحسية الملموسة، إسرائيل قامت ولا تزال على حساب فلسطين شعباً وأرضاً أولاً وعلى حساب استنزاف الأردن ثانياً وتوظيفه لمصلحة تحمله تبعات طرد شعب فلسطين إلى خارج وطنه، وإلى الأردن بالذات ومنه إلى دول العالم.
ولذلك يعمل الأردن على إستراتيجية وطنية تقوم على عاملين أولهما دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه وأن تبقى فلسطين هي العنوان وعلى أرضها الصراع والحل في نفس الوقت، وثانيهما تحاشي الشر الإسرائيلي وبرامجه ومخططاته الهادفة إلى جعل فلسطين طاردة لشعبها ونقل المشكلة باعتبارها ضاغطة على الإسرائيليين وفي حضنهم بعد أن فشلوا في طرد كامل الشعب الفلسطيني خارج وطنه، سواء عبر الاحتلال الأول عام 1948، أو الاحتلال الثاني عام 1967، وعملوا على أن يكون الحل خارج فلسطين، وعلى حساب الأردن ولذلك يجهد الأردن ويقاوم البرامج والمخططات الإسرائيلية، ليس لحماية فلسطين فقط، بل لحماية الأردن أولاً المستهدف من هذه البرامج والمخططات.
لقد قدم ياسر عرفات ومنظمة التحرير والقيادة الفلسطينية خدمة إستراتيجية للأردن عبر اتفاق أوسلو الذي أعاد الموضوع الفلسطيني من المنفى إلى جذوره على أرض الوطن، وبالتالي عودته ونقله إلى أصله ومصدره، وأن يكون الحل على أرض فلسطين، لا خارجها، وتم ذلك عبر خطوات متلاحقة أولها الانتفاضة، وثانيها اتفاق أوسلو، وثالثها ولادة السلطة الوطنية كمقدمة وكمشروع لولادة الدولة الفلسطينية، والعمل على استكمال هذا المشروع على طريق استعادة كامل حقوق الشعب الفلسطيني، بشكل تدريجي متعدد المراحل .
وضوح الموقف الأردني، في الانحياز للموقف الفلسطيني وأدائه وتطلعاته، يعكس الوعي الأردني رسمياً وشعبياً بمصالحه الوطنية وأولوياتها وأهميتها وفي طليعتها استعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه الثلاثة : المساواة في مناطق 48، والاستقلال لمناطق 67، والعودة للاجئين واستعادة ممتلكاتهم المنهوبة والمصادرة من قبل إسرائيل، والتعويض على معاناتهم وتشردهم الذي سببته لهم إسرائيل، لأن استعادة هذه الحقوق للشعب الفلسطيني لا يعود بالخير وحده على فلسطين، بل يحمي الأردن من الأطماع التوسعية الإسرائيلية، ويوفر للأردنيين الأمن والاستقرار ويحفظ لهم هويتهم الوطنية .
h.faraneh@yahoo.com
حمادة فراعنة /فلسطين مصلحة أردنية
16
المقالة السابقة