هناك الكثير من التفاصيل التي تضيع في ثنايا المشهد العام للثورة السورية، ففي الوقت الذي تتركز فيه الأنظار على القتال والحرب ضد أعتى نظام دكتاتوري دموي في العالم، تختفي حكايا الناس الفردية خاصة تلك المتعلقة بفئات بعينها، وأهم هذه الفئات هي المرأة السورية التي أثبتت أنها على قدر المسؤولية لأنها تحملت العبء الأكبر في الثورة والمجتمع والمعاناة وسكب الدموع وإشاعة الأمل، فهي الأم والزوجة والابنة والأخت، وهي التي تذرف الدمع حزنا وكمدا على ما يلم بها وعائلتها، لكنها تصنع الرجال والأبطال الذين يخوضون معركة البطولة والفداء وتشحنهم بالشجاعة والجرأة والإيمان.. وقد عبرت الناشطة السورية مسرة سراس التي تحمل الآن لقب “لاجئة” في مخيم الزعتري في الأردن عن دواخل المرأة السورية ببراعة وإتقان، خاصة اللواتي أصبحت المخيمات وطنا لها، في كلمة ألقتها في احتفالية تضامن المرأة القطرية مع المرأة السورية في الدوحة وقالت:
كنت حائرة جداً عن أي امرأة سأتحدث هل عن المرأة السورية المثقفة أم الثورية أم المناضلة أم المربية الفاضلة أم الريفية المكافحة… فالمرأة السورية أيا كانت موغلة في القدم كالحضارة السورية وغنية في الإنجازات والعطاءات كأرض بلادها المعطاء
أحدثكم ولا زال المخيم في ذاكرتي.. و تلك الخيم الممتدة والأزقة الممتلئة بكل ما تتوقعونه عدا الروح الإنسانية وتتراءى أمامي تلك المرأة والتي هي كل نساء المخيم بعد أن فرت وعائلتها من بلدها وقد رأت بيتها يهدم وتركت وراءها عمرا طويلا باحثة عن الأمن والأمان أراها قابعة أمام خيمتها نظراتها… كلماتها… صراخها…ضعفها ووهنها كل هذا ينطق ويقول فررت من الموت إلى الموت.
تتحمل المرأة السورية كافة أعباء الحياة ليس إلى جانب الرجل فقط، بل وتحمل عنه همومه وشجونه ومسؤولياته… تعالوا معي لنعيش ساعات من نهار ودقائق من ليل مع تلك المرأة في مخيم العذاب أو مخيم الموت أو غيرها من التسميات..
في الصباح الباكر البارد جدا أو الحار جدا تنطلق مضطرة إلى مراكز توزيع المعونات بعدت مسافتها أم قربت وتقف في صفوف عشوائية نادرا ما تكون منظمة ويمتد بها الوقت من طلوع الفجر إلى ما بعد الساعة الرابعة عصرا بانتظار توزيع إحدى أنواع المواد التي هي من مستلزمات حياتها كإنسانة والتي من المقرر توزيعها بذاك اليوم (فوط أطفال أو سلة غذائية أو مستلزمات شخصية لا غنى عنها..) وعندما يقترب دورها وقد زاحمها هذا وسبها ذاك قد يقال انقطعت الكهرباء عن جهاز الحاسوب أو انتهى الدوام عودي غدا… وأترك لكم أن تتصوروا حجم المعاناة النفسية والصحية بعد هذا الطابور الطويل والانتظار المرير والزمن المهدور والمزاحمات في ظل الظروف الجوية القاهرة، وتعود خالية الوفاض لأطفال تركتهم مضطرة مشردين بين الخيام.
لدى معظم السوريين المهجرين قسراً قناعة بأن موظفي مكاتب المنظمات الدولية أو الحكومية سوف تتعامل مع المرأة بطريقة حضارية وفيها احترام أكثر.. لكن للأسف وفق رأي المجموع أن التعامل مع النساء يكون بقسوة وخشونة لا تقل شأنا عن غيرها في أمكنة أخرى.. عداكم عن الشكوى الجماعية التي رصدنا معظمها في أغلب شوارع المخيم.
وبعد يوم شاق مطلوب منها تحضير ما تيسر من الطعام وأن تحمل معداتها لتنتقل بها إلى مطبخ تتزاحمن عليه نسوة أخواتها أو تخاطر بحياتها وحياة أبنائها وتستخدم خيمتها مطبخا يكفيها التعب تصوروا كل هذه المعاناة لتحصل على شيء واحد فقط من مقومات الحياة والحياة فقط ألا وهو قوت اليوم.
والكارثة الأعظم أن مرض أحد أفراد عائلاتها تحمله جازعة.. تركض به إلى المشافي وهي تظن أن الكل يشعر معها فهو ولدها أو زوجها لتجد طابور ممتد وحارس وأسئلة وإن لم يكن دوام الأطباء انتهى أو ليسوا في إجازة وعاين الطبيب مريضها وكتب له الدواء لكن وللأسف فالدواء غير متوفر.. يمكن أن تجدي أحدا يشتريه لك من الخارج ولسان حالها يقول إن وجدت من يشتريه لي فمن أين لي الدراهم؟
إلى متى تستطيع تلك المرأة الفولاذية تحمل تلك القسوة القسرية؟ وتعود إلى خيمتها وهمها كيف تحمي أبناءها من شبح المرض والموت.. هكذا تمضي ساعات نهارها جريا وراء تفاصيل صغيرة ويأتي الليل ولليل حديث آخر لا كهرباء لا ماء لا مرافق صحية وهي تتقلب بين حر وبرد وإذا أراد أحد أفراد عائلتها أو أرادت هي الذهاب إلى الحمام عليها أن تمشي وهي ترتجف خوفا أو هلعا أو فليكن محيط خيمتها مكانا لقضاء حاجتها..
المطلوب أيضا من تلك المرأة الفولاذية أن تمتص غضب زوجها وتتحمل أعرض الأزمة النفسية التي أصابته جراء الكارثة فهو دائما غاضب.. متوتر.. قلق.. لا يتحمل منها شكوى أو طلب..”كذلك الأمر بالنسبة لأبنائها فهي تمتص حزنهم تواسيهم.. تحيي الأمل فيهم بأن مستقبلهم أفضل بعد الرجوع للوطن وهذا هو الحلم المسيطر عليها وعلى جميع قاطني المخيم إذ يوجد قناعة لدى الجميع بأن مجرد سقوط النظام بلحظة واحدة فقط سيكون جميع قاطني المخيم في سوريا دون إذن أو استئذان، فالجميع يحلم بالوطن الجميل النظيف من عصابات النظام والجميع يقول متى العودة لبناء وطن حر كريم
تراها أمام خيمتها تبتسم لك وتقسم عليك أن تشاركها فنجان قهوة ترتشفه وهي تقسم أنها ستعود ولن تسمح للظلم أن يبتلعها وأبناءها والغربة لن تطول تستحي من نفسك أمام صمودها وثباتها”
أبدعت مسرة السرار في وصفها الحالي لكنها وجعت سهام نقدها لوضع المرأة السورية خارج حسابات الجميع وطالبت بتمثيل عادل للمرأة السورية في إدارة المخيم والعمل الإغاثي، فالمرأة السورية لا تسأل عن احتياجاتها مع أنها هي الفئة الأكثر تضررا؟، كما طالبت بوقف النزيف السلبي للمرأة السورية وإقامة مكتب حقوقي خاص للنساء في مخيم الزعتري وتقديم الاحتياجات الخاصة بها، وإقامة عيادات طبية ونفسية وتوفير الأدوية المناسبة، وتمويل مشاريع إنتاجية صغيرة تشغل بها وقتها وتدر عليها دخلا يؤمن لها حياة كريمة بيع منتجاتها للمجتمع المحلي والاهتمام بصحة المرأة الحامل وبعد الولادة أيضاً، فالمرأة السورية سيدة من وضعت يدها في مغزل أو مشغل، ولم تتعود أن تمد يدها لأحد، ومطلوب من المنظمات العربية خاصة النسوية منها أن تضع احتياجات المرأة السورية في رأس سلم الأولويات.