كشفت استقالة الرئيس نجيب ميقاتي، على خلفية معارضة «حزب الله» وحركة «أمل» و «التيار الوطني الحر» التمديد للواء اشرف ريفي على رأس المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، المدى الذي بلغه «تطييف» (نسبة الى الطائفية) المؤسسات الامنية في لبنان. لقد تم تظهير تلك المعارضة وكأن المقصود من ورائها هو الاساءة الى الطائفة السنّية. ولم يترك ذلك مجالاً امام ميقاتي سوى الاستقالة، مع انه سبق له ان واجه العاصفة نفسها وصمد، إثر اغتيال اللواء وسام الحسن، كما انه كان الرجل الذي استعانت به المعارضة (الاكثرية الحالية) لإبعاد سعد الحريري عن رئاسة الحكومة. غير ان ميقاتي لم يتمكن من الصمود في وجه العاصفة الحالية، لإدراكه ان حجم الخطر الامني الكامن وراء التخلي عن شخص ريفي بعد اغتيال وسام الحسن، وفي الوقت الذي يتعرض عدد من القادة السياسيين في لبنان لتبعات الحرب السورية والتهديدات التي تصلهم بسبب مواقفهم منها، هو من النوع الذي لا يستطيع اي رئيس حكومة أن يغطيه أو أن يتحمل تبعاته.
وعندما نتحدث عن «تطييف» الاجهزة الامنية، فإن ذلك يجب ألا يعني بالضرورة ان الشخص الموجود على رأس هذا الجهاز او ذاك هو من طائفة معينة، بقدر ما يعني ان هذا الشخص على استعداد لخدمة مصالح وتلبية رغبات طائفة بعينها، بسبب نفوذها الطاغي، ورغبته في حماية موقعه. ومن هنا تتكرر الانتقادات، سواء كانت محقة او ظالمة، لقيادة الجيش اللبناني ومديرية المخابرات فيه بالانحياز الى طرف معين، بعد كل توتر امني او حادث يتدخل الجيش لمواجهته او ردعه، كما يحصل في عكار وطرابلس وفي عرسال البقاعية، على رغم ان قائدي هذين الموقعين هما من الموارنة، وليسا من ابناء الطائفتين اللتين تشاركان في هذه الاحداث الامنية.
ولهذا السبب ايضاً تحوّل التمديد لأشرف ريفي الى مشكلة، فيما لا يثير التمديد لمدير المخابرات في الجيش العميد ادمون فاضل اية مشكلة، على رغم تشابه الظرفين والحالتين. ففي لعبة شد الحبال القائمة بين الاطراف والقوى اللبنانية المتنازعة، لا تعود نصوص القوانين هي التي تتحكم بالقرارات، بقدر ما تلعب الدور الكبير في ذلك فوائض القوة التي يتمتع بها هذا الطرف او ذاك، ويستطيع فرضها على الارض.
من اشد مساوئ الاتهامات التي توجه الى قادة الاجهزة الامنية في لبنان بالمحاباة، وبتغليب مصلحة طرف ما في الصراعات الامنية المتفاقمة على طرف آخر، ان المصلحة الوطنية العليا تصبح بسبب ذلك معرّضة للضرر وللمخاطر، كما يفقد المواطن ثقته بالقادة وولاءه للأجهزة التي يديرونها. فالامن الوطني الذي يستحق هذه الصفة في اي بلد من بلدان العالم، هو الامن الذي لا يميز فيه المسؤول بين مواطنيه، ويتعامل معهم بالقدر نفسه من الحزم ومن تطبيق القوانين.
غير ان تغليب الميل الطائفي او المذهبي لدى المسؤول الامني على المصلحة الوطنية، في بلد منقسم طائفياً بامتياز مثل لبنان، يصبح اشد خطراً من الانحياز الطائفي لدى السياسيين. ذلك ان الاختراق الامني الذي يتم غض النظر عنه، بدافع الغرض السياسي، يمكن ان يشكل خطراً على البلد كله يصعب الخروج منه. وفي التاريخ اللبناني القريب وما حفل به من اغتيالات تحت سمع الاجهزة الامنية ونظرها، ما يؤكد جدية هذه المخاطر، بسبب الميول السياسية لقادة تلك الاجهزة في حينه، وهو ما أدى الى وقوع الامن ضحية للمصالح السياسية لهؤلاء ولارتباطاتهم الخارجية في معظم الأحيان.
الياس حرفوش/الأمن الطائفي في لبنان
15
المقالة السابقة