اختلفت الآراء حول زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المنطقة، هل هي زيارة سياسة سياحية أم زيارة سياحة سياسية؟ لكن وقائع الأحداث ونتائجها تشير إلى أنها زيارة سياسية بامتياز، وقد حاول البيت الأبيض إلباسها لبوسًا سياحيًّا، باستباق بدء الزيارة بالإعلان عن أن أوباما لا يحمل شيئًا جديدًا ولا مبادرة سلام، وإنما جل ما هنالك هو استطلاع الآراء وسبر الأجواء.
نعم الزيارة جاءت على وقع ملفات ساخنة تشهدها المنطقة وخاصة ملف البرنامج النووي الإيراني وملف الأزمة السورية، حيث تقتضي سخونة الملفين درجة عالية من التنسيق بين كيان الاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي، لأن تطورات الملفين تلامس بصورة مباشرة هواجس الأمن المزعومة لدى المحتلين الصهاينة التي يجب أن يتداعى عليها الحلفاء والمؤسسات والمنظمات الدولية لإزالة أسباب الهواجس والقضاء عليها، وهنا لا بد أن يصار إلى نقاط محددة يجب الارتكاز عليها للانطلاق نحو تبديد الهواجس ومشاعر القلق المزعومة، فجاءت على وقعها الزيارة التاريخية في الولاية الثانية لأوباما، ولضمان بقاء هذا الكيان المحتل العنصري القوة الأوحد في المنطقة، وبالتالي كان من الأهمية بمكان أن تخرج بنتائج حقيقية أقل ما يمكن وصفها به هو أنها “كارثية”، حيث مقتضى الضرورة أن تنتهي بهذه النتائج لترتيب الخريطة السياسية والأمنية والديموغرافية والاقتصادية للمنطقة، والتي يمكن ترتيبها قبيل وأثناء الزيارة كالآتي:
الأولى: استخدام العصابات المسلحة الحليفة لكيان الاحتلال الصهيوني السلاح الكيماوي لأول مرة منذ بدء الأزمة في سوريا، والهدف من ذلك واضح وهو ليس لاستفزاز دمشق لجرها إلى ردات فعل مساوية لفعل العصابات المسلحة فحسب، وإنما ليكون ملف الأسلحة الكيماوية متصدرًا جدول برنامج زيارة أوباما ويأخذ مداه في النقاش إلى حيث يريد المحتلون الصهاينة.
الثانية: التأكيد على أبدية التحالف الاستراتيجي القائم بين الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الصهيوني، باعتباره أحد الثوابت في السياسة الأميركية، وبالتالي التزام أميركا ـ كما قال أوباما ـ بالحفاظ على أمن الكيان المحتل وعلى بقاء تفوقه، ومواصلة تقديم التكنولوجيا المتقدمة له.
الثالثة: إعطاء الضوء الأخضر لكيان الاحتلال الصهيوني في التعاطي مع البرنامج النووي الإيراني، وحسب أوباما فإن حصول إيران على السلاح النووي يشكل خطرًا على الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الصهيوني، ولذلك فإن كل الخيارات متاحة ومتروكة على الطاولة.
الرابعة: على الفلسطينيين الاعتراف بما يسمى “يهودية” كيان الاحتلال الصهيوني، مقابل دولة فلسطينية قابلة للحياة، لكن غير معروف مكانها قد تكون في المريخ أو في أحلام الواهمين، وعلى العرب التحرك سريعًا نحو خطوة التطبيع، شرطًا أساسيًّا إن أرادوا تعاون الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الصهيوني في معالجة أسخن ملفين يرون أنهما مصدر قلق وتوجس، ويسعون إلى التخلص منهما بأسرع ما يمكن، وهما ملف البرنامج النووي الإيراني وملف الأزمة السورية.
الخامسة: المطالبة باعتبار حزب الله منظمة إرهابية وأن “كل بلد يعترف بقيمة العدالة يجب أن يسمي حزب الله بما هو عليه: منظمة إرهابية”، وهي مطالبة ليست من قبيل الصدفة المحضة، وإنما تأتي في ظل ترتيبات تجري لمحاصرة الحزب تمهيدًا لتصفيته والتخلص منه سياسيًّا ومقاومة.
السادسة: استقالة الحكومة اللبنانية التي يرأسها نجيب ميقاتي، وهي استقالة أيضًا لم تكن مصادفة، بل مرتبطة ارتباطًا عضويًّا بما يجري في سوريا، في إطار محاولات إحكام القبضة الحديدية بالسلاح والنار على سوريا، إذ يسير المخطط في لبنان ـ والذي بدأ بهذه الاستقالة ـ نحو تغيير في عقيدة الجيش اللبناني وهيكلته، وإضعاف الأجهزة الأمنية (بما فيها فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي)، وتحويل شمال لبنان إلى قواعد لتنظيم القاعدة الذي أصبح بالفعل ملاذًا آمنًا لما تسمى “جبهة النصرة” وبقية الألوية الإرهابية؛ بمعنى آخر الهدف التخلي عن سياسة النأي بالنفس بالتحول إلى الانخراط المباشر في الأزمة السورية بفتح الحدود لدخول آلاف المسلحين ومختلف الأسلحة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إعداد شمال لبنان المستهدف بملئه بالتطرف للمواجهة الكبرى مع حزب الله، حيث سيجري توظيف الاختلاف الأيديولوجي في تأجيج المواجهة، وبالتالي ستكون المقاومة اللبنانية بين فكي كماشة بين شمال لبناني متطرف وبين كيان الاحتلال الصهيوني الإرهابي على الحدود في الجنوب.
السابعة: اغتيال الشيخ العلامة محمد سعيد رمضان البوطي وذلك بهدف القضاء على الإسلام المعتدل في بلاد الشام، وزرع الغلو والتطرف مكانه بقصد ضمان عدم استقرار بلاد الشام، بحيث تظل في بحار متلاطمة من العنف والدماء والاقتتال الطائفي، فقد كان العلامة البوطي شخصية ذات كاريزما لها حضورها وتأثيرها، فكلماته ـ بما يمتلكه من بصيرة نافذة ودراية بما يحاك ضد وطنه سوريا ـ كان لها سحر وإقناع، وهذا ما يتعارض مع مخطط التدمير وتضليل الشباب والأطفال السوريين، حيث يقتضي المخطط اغتيال صوت العقل والحكمة والروح الوطنية لدى الشعب السوري.
الثامنة: اعتذار بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني لنظيره التركي رجب طيب أردوغان عن القرصنة الصهيونية على السفينة التركية مرمرة، فالاعتذار ما كان له أن يكون بالأساس، فنتنياهو كان هو من يطالب نظيره التركي بالاعتذار، وهذا ما يشي بأن المرحلة تستدعي تقديم الاعتذار. وفي اعتقادي ليس مكافأة على الدور التدميري الذي تقوده الحكومة التركية ضد سوريا، وإنما لأن هذا الدور مطلوب في الاتجاه الآخر بإسناد كيان الاحتلال الصهيوني إذا ما قرر مهاجمة إيران وتقديم الدعم اللوجستي اللازم، ويتزامن هذا الاعتذار مع دعوة عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني أتباعه إلى التوقف عن العمل المسلح، الأمر الذي يرجح احتمالات الحرب أكثر من احتمالات السلم.
التاسعة: إرغام الأردن على الانخراط بصورة كاملة في مخطط تدمير سوريا، وقول أوباما إنه واثق بأن الرئيس السوري سيرحل، يذكرنا بالأيام التي سبقت غزو العراق حتى قيام الولايات المتحدة بتوجيه أول ضربة جوية لقطع ما وصفته بـ”رأس الأفعى”؛ أي الرئيس الراحل صدام حسين، وقد جاءت الضربة بعد مكالمة هاتفية قام بها زعيم عربي وذلك بهدف تحديد مكان الراحل صدام حسين.
خميس التوبي/النتائج “الكارثية” لزيارة أوباما
24
المقالة السابقة