عروبة الإخباري -أجرى رئيس تحرير صحيفة الشرق القطرية الأستاذ جابر الحرمي لقاء صحفيا مع جلالة الملك عبدالله الثاني في عمان.
يقول الحرمي : عندما كنت في طريقي لإجراء حوار مع جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، عاهل المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، كنت أقدم سؤالا وأؤخر آخر، بأيهما أبدأ.
كانت المسافة الفاصلة بين فندق رويال عمان الذي أنزل فيه، و”بيت الأردن”، مقر إقامة جلالة الملك، قرابة الساعة مع الازدحام المروري في العاصمة الأردنية، التي تبتسم على الدوام مرحبة بضيوفها المؤقتين أو الدائمين، رافقني خلالها زميلي النشط الأستاذ عواد الخلايلة، مدير مكتب الشرق في الأردن.
بالطبع لم ينقطع الحديث خلال تلك المسافة مع زميلي عن قطر والأردن وعلاقاتهما الأخوية، ولكني في حقيقة الأمر كان ذهني مشغولا… كيف سيكون اللقاء مع جلالة الملك عبدالله، وهو المزدحم برنامجه بفعاليات وبرامج ولقاءات متعددة، في داخل القصر أو خارجه، فبلد مثل الأردن كان الله في عون من يحكمه، خاصة في هذه المرحلة الصعبة، وهذه الظروف والتحديات التي تواجه المنطقة، ووقوعه في محيط غير مستقر، بل وسط “حزام ناري” ملتهب إلى أقصى درجات الاشتعال، فكيف بقيادة هذا البلد أن تحميه من لظى النار، وحمم القذائف المتطايرة حوله…؟
إنه التحدي أمام الملك عبدالله، الذي يقود بلدا يعيش وضعا اقتصاديا ضاغطا بصورة ربما غير مسبوقة، إضافة إلى ملايين اللاجئين، الجدد منهم وهم الأخوة السوريون الذين يتجاوزون الـ “500” ألف لاجئ، وفي زيادة يومية تتراوح بين 2000 و3000 آلاف لاجئ جديد، إضافة إلى ضيوف المملكة من العراقيين الذين مازالوا موجودين بالأردن، وتعدادهم لا يقل عن السوريين، إن لم يكن العدد يفوق.
لم نشعر بمسافة الطريق، لانشغالي الذهني بالتحضير لمقابلة الملك عبدالله، خاصة أنها المرة الأولى التي التقيه وجها لوجه وفي لقاء صحفي.
كان الاستقبال حارا عند الوصول إلى “بيت الأردن”، حيث تم الترحيب بي وإيصالي إلى قاعة الانتظار، لحين التوجه إلى مكتب جلالة الملك عبدالله… غرفة انتظار بسيطة لكنها متناسقة وهادئة الالوان… استرجعت هذا الهدوء بعد انتهاء المقابلة…، فهدوء الغرفة تماما كهدوء الملك.
لم تمض لحظات حتى جاء مسؤول ليصطحبني إلى لقاء الملك، كنت أتوقع أن أجده جالسا في مكتب ينتظر وصولي، ولكن إذا بي أفاجأ بانتظاري خارج المكتب، بابتسامة تأسرك، وتواضع جم، وقبل أن أصل إليه بادر بالتوجه إلي وهو يرحب بحرارة شديدة، وحفاوة بالغة، ممسكا بيدي، مصطحبني إلى داخل المكتب وقائلا “لن نجلس على الكراسي الرسمية، دعنا نجلس على هذه الطاولة بعيدا عن الرسميات”.
فاجأني حيث كنت أتوقع جلسة رسمية خلال الحوار، ولكن بتواضع جم قال “تفضل بالجلوس”.
بادرني بالسؤال أولاً عن سمو الأمير المفدى وسمو ولي العهد، وأضاف “كيف أهلنا في قطر”، مؤكدا اعتزازه بعلاقاته مع سمو الأمير، وقال: “ستكون فرصة مجددا للقاء أخي سمو الأمير خلال قمة الدوحة، ولقاء إخواني قادة الدول العربية للتباحث حيال مجريات الأمور، وتطورات الأحداث، والتحديات التي تواجه عالمنا العربي، والعمل معا من أجل شعوبنا العربية”.
كانت الابتسامة لا تفارق وجنتيه وهو يتحدث طوال الحوار… كان الأردن وقضاياه يشكل هاجسا حقيقيا بالنسبة له… تماما كما كانت الاوضاع العربية كذلك… كان حريصا على التأكيد على العمل مع كافة مؤسسات الدولة والمجتمع الاردني ضمن فريق واحد… والسعي لتدفق المعلومات بكل شفافية للمجتمع للتشارك معا في تحمل المسؤولية.
يمتلك أفكارا مترابطة… ورؤية واضحة… لما يطمح الى أن يكون عليه الأردن، والتعامل مع قضايا المنطقة الأخرى.
على الرغم من الوضع الاقتصادي الضاغط بالأردن، فانك تجد مشاريع تنجز، كان آخرها المطار الجديد، الذي افتتح قبل أيام، وعندما هنأته بهذا المنجز الجديد قال “أطمح الى أن أرى الأردن مع كل إشراقة صباح يحقق مكاسب جديدة، وافتتاح مشاريع تخدم الوطن والمواطنين”.
يتحدث بكل عفوية وشفافية… يكسر كل الحواجز الرسمية مع من يتخاطب معه… صحيح أن لقائي كان الأول معه، إلا أنني شعرت وكأني وقد سبق أن التقيته مرات عدة… يؤسرك بوده وتعامله… وحفاوة استقباله وتوديعه كذلك، فإذا كان قد استقبلني خارج مكتبه، ففي التوديع تجاوز ذلك، وأصر على أن يخرج معي الى خارج المكتب ويقف دقائق متحدثا، بل ومناديا على المصور الخاص “تعال خذ لنا صور وحنا واقفين” وهو يبتسم بكل أريحية وبساطة.
عندما ودعته، قلت في نفسي يحق لهذا الملك أن يجلس في “بيت الأردن”.
وبالمناسبة لمن لا يعرف “بيت الأردن”، فهو مقر إقامة الملك عبدالله الثاني، الذي يستقبل فيه عادة كبار الضيوف، ويقع بالقرب منه مسجد الملك الحسين بن طلال الكبير.
وفيما يلي نص الحوار في شقه السياسي مع جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين عاهل المملكة الاردنية الهاشمية الشقيقة، الذي يحل غدا ضيفا على قطر للمشاركة في القمة العربية التي تحتضنها دوحة العرب بكل ترحاب ومحبة:
العلاقات القطرية – الأردنية
* جلالة الملك.. بداية العلاقات الأردنية — القطرية في تطور دائم، كيف يستشرف جلالتكم هذه العلاقات؟
دولة قطر، بلد شقيق وعزيز علينا، وتربطنا بالأشقاء القطريين علاقات أخوية تاريخية، متينة وراسخة، ونتطلع دوما إلى توثيق وتطوير علاقات التعاون والشراكة بين بلدينا في جميع المجالات، وعلى النحو الذي يخدم مسيرة التعاون المشترك، وقضايا أمتنا العربية والإسلامية، ومصالحها العليا والاستراتيجية، والحفاظ على أمنها واستقرارها.
وخلال اللقاءات التي جمعتني مع أخي سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، كان لدينا حرص متبادل للمضي قدما في تعزيز وتقوية التعاون الثنائي، وكذلك دفع مسيرة العلاقات بين البلدين والنهوض بها إلى مجالات أوسع، بما يعود بالنفع على البلدين والشعبين الشقيقين، وبما يلبي تطلعات أمتنا في بناء مستقبلها الأفضل. وستشكل اللقاءات مع أخي سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ضمن قمة الدول العربية التي ستستضيفها قطر، فرصة لتعميق العلاقة والبناء عليها، والبحث في العديد من القضايا والمستجدات الثنائية والإقليمية.
القمة العربية
* كيف ينظر جلالتكم إلى أهمية القمة العربية التي تنعقد في الدوحة، في هذه الظروف التي تمر بها الأمة العربية؟
التحديات الاستثنائية وغير المسبوقة، التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية، تستدعي منا جميعا تنسيق الجهود المتصلة بتفعيل العمل العربي المشترك، وتعزيز التعاون بين الدول العربية، لمواجهة هذه التحديات، والحد من آثارها وانعكاساتها السلبية على مصالح أمتنا الاستراتيجية وقضاياها المصيرية.
وكلي أمل أن تشكل قمة الدوحة منعطفا إيجابيا، باتجاه وضع آليات تؤسس لعمل عربي مشترك جاد وحقيقي إزاء قضايا ملحة مثل: الطاقة، والمياه، والبيئة والتلوث، والفقر والبطالة والتنمية، وصعود التطرف، وتدهور الأوضاع في دول شقيقة، إلى درجة تهدد جوارها العربي وأمن واستقرار المنطقة ككل.
الإصلاحات بالأردن
* أعلن جلالتكم مؤخرا عن حزمة من الإصلاحات، وقد جاءت الانتخابات النيابية الأردنية الأخيرة معلما إيجابيا في مسيرة الإصلاح بشهادة المراقبين الدوليين.. ما هي نظرة جلالتكم المستقبلية للإصلاح في الأردن؟
الإنجازات الإصلاحية التي حققها الأردن محطة على الطريق، وطموحنا في هذا الاتجاه ليست له حدود، رغم التحديات والظروف الصعبة التي نمر بها.
الهدف النهائي للإصلاح هو تعميق الديمقراطية والمشاركة الشعبية في صناعة القرار، عبر تطوير تجربة الحكومات البرلمانية، وتمكين مجلس النواب ليقوم بدور محوري في صناعة القرار، وتعزيز دوره السياسي إلى جانب مهامه الرئيسية في الرقابة والتشريع. والمنجز الإصلاحي الذي نريده على الصعيد السياسي تحديداً، هو أن نصل إلى مرحلة يكون فيها مجلس النواب منتخبا على أسس حزبية، بحيث يبرز ائتلاف أغلبية حزبي، يتولى تشكيل الحكومة، يوازيه ائتلاف أقلية يشكل حكومة ظل تنشط بالرقابة والمساءلة واقتراح البرامج البديلة.
وبطبيعة الحال، فالوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة سيتطلب عدة دورات برلمانية لإدراك حالة النضوج السياسي والحزبي الضرورية، بالإضافة إلى إصلاحات تشريعية وتطوير الكثير من الممارسات الحافزة للديمقراطية، كاعتماد الحوار، واحترام الاختلاف والتنوع، والإيمان بالتعددية.
مسيرة الأردن الإصلاحية، بدأت قبل الربيع العربي، وستمضي أبعد منه. ونحن نؤمن بالتدرج المبني على التخطيط الجيد، ونأمل أن توفر التجربة الأردنية في تعميق الديمقراطية والانفتاح والتعددية نموذجاً يحتذى في المنطقة.
الازمة السورية
* بعد عامين من الثورة السورية، كيف ينظر الملك عبدالله إلى الوضع في سوريا خصوصا في ظل تحمل الأردن أعباء كبيرة جراء استضافة أعداد متزايدة من اللاجئين؟
طالما دعونا إلى ضرورة جلوس جميع الأطراف على طاولة الحوار، قبل أن تتفاقم الأوضاع، وتخرج الأمور عن نطاق السيطرة وتصل درجة عالية من التعقيد، ومرحلة اللاعودة. المأساة السورية تدخل عامها الثالث، والمعاناة الإنسانية وحجم الدمار مؤلم. والأكثر إيلاماً هو تفتيت نسيج المجتمع السوري. لذا علينا الضغط بجميع الاتجاهات للوصول إلى عملية انتقالية سياسية وسلمية، تحافظ على وحدة وسيادة سوريا أرضاً وشعباً، وبما يوقف انزلاقها نحو الهاوية.
لقد فرضت تداعيات الأزمة في سوريا علينا في الأردن وعلى الدول المجاورة، أعباء كبيرة وإضافية جراء الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين، الذين يتدفقون بشكل يومي، والذين وصل عددهم الى قرابة النصف مليون، ومن المتوقع أن يتضاعف الرقم ويصل إلى مليون في نهاية العام. والأردن رغم محدودية موارده والظروف الاقتصادية التي يمر بها، استقبل وما زال يستقبل مئات الآلاف من الأشقاء السوريين. ويتحمل في سبيل القيام بواجبه الإنساني والأخلاقي، ما يفوق إمكاناته وطاقاته، وهناك حاجة ماسة لتكثيف الدعم العربي والدولي لإدامة جهود الإغاثة للاجئين السوريين في الأردن، وأيضاً بدء إيصالها للمنكوبين داخل سوريا لوقف موجات اللجوء.
عملية السلام
* عملية السلام مجمدة منذ سنوات، ولا تبدو في الأفق عودة قريبا للمفاوضات، وفي الوقت نفسه إسرائيل تمارس إجراءات أحادية الجانب على الأرض كما هو الحال مع بناء المزيد من المستوطنات.. كيف ينظر جلالتكم إلى عملية السلام؟ وما هي قراءتكم لمستقبلها؟
تشكل القضية الفلسطينية جوهر الصراع في منطقة الشرق الأوسط، والوصول إلى حل تاريخي عادل وشامل هو مصلحة استراتيجية للأردن. ومقومات التسوية معروفة للجميع: حل عادل وشامل للصراع الفلسطيني — الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مقابل توفير الأمن والقبول لإسرائيل.
ونعتبر أن تسوية الصراع العربي — الإسرائيلي، هي المفتاح لحل بقية المشاكل التي تواجه الشرق الأوسط، وبغير ذلك ستبقى المنطقة برمتها، تعاني من حالة توتر وعدم استقرار تجرنا إلى نفق مظلم، وسباق تسلح على حساب التنمية وبناء مستقبل واعد لأجيال مختلف شعوب المنطقة. ولنتذكر أن غياب العدالة، وتوقف عملية السلام، وفقدان الأمل هي أكبر العوامل التي تسهم في تغذية التوتر والعنف في منطقة الشرق الأوسط.
المشكلة هي في التعنت الإسرائيلي وقصر النظر وانحصار الرؤية بالإدارة اليومية للصراع. وأخطر ما يقلقنا هو استمرار سياسات الاستيطان، التي تقوض فرص حل الدولتين، بالإضافة إلى الانتهاكات والإجراءات الاستفزازية في القدس الشريف، والسياسات التي تهدف إلى تغيير الواقع السكاني، وإفراغ القدس الشرقية من سكانها العرب، المسلمين والمسيحيين.
ومن هنا، فإن المجتمع الدولي مطالب بتكثيف جهوده لإطلاق تحرك دولي فاعل لتهيئة الظروف الملائمة أمام الفلسطينيين والإسرائيليين للانخراط في مفاوضات جادة في أسرع وقت ممكن، لمعالجة جميع قضايا الوضع النهائي بما يحفظ الأرض الفلسطينية ويؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
الدور الأمريكي
*هل جلالتكم متفائل تجاه الجهود الأمريكية لتحريك عملية السلام؟ وما هو الدور الذي يقع على الرئيس الأمريكي في ولايته الثانية؟
وبالنسبة للدور الأمريكي، فلا شك، أن الولايات المتحدة تلعب دورا مؤثرا وحيويا في دعم جهود السلام في الشرق الأوسط. ولقد لمسنا على الدوام استعدادا والتزاما من الإدارة الأمريكية للمضي قدما لتنفيذ رؤية حل الدولتين، وكنا نسمع منها أطروحات تركز على قضايا الحل النهائي للقضية الفلسطينية مثل موضوعي القدس واللاجئين، وضرورة أن يأخذ الحل القادم الأمر بعين الاعتبار، وبما ينسجم مع قرارات مجلس الأمن الدولي ومبادرة السلام العربية. وأعتقد أن الرئيس أوباما سيلعب، في ولايته الثانية، دورا مهما في دفع مسيرة السلام وإحراز تقدم حقيقي في مسار عملية التفاوض على أساس حل الدولتين. ونحن نبذل جهوداً حثيثة، بالشراكة مع دول شقيقة وأصدقاء أوروبيين، لإيجاد بيئة حافزة تشجع الإدارة الأمريكية على الانخراط السريع في إحياء عملية السلام وقيادة مفاوضات جدية وذات مغزى.
دعم جهود السلام
• التقيتم يوم الجمعة الماضي مع الرئيس الامريكي في عمان.. هل وجدتم حرصا من الادارة الامريكية على دعم جهود عملية السلام؟
نعم لمست، خلال لقائي مع الرئيس باراك أوباما، أثناء زيارته إلى الأردن قبل أيام، حرصا متزايدا على الاستمرار في دعم جهود تحقيق السلام، وهذا يشكل فرصة ليتحرك الجميع إلى الأمام على هذا الصعيد.