في الأخبار أن الحكومة حددت نهاية شهر يونيو المقبل لاستكمال ألف مشروع قومي للنهوض بالمحافظات الأكثر فقرا في مصر. وقد نقلت جريدة الأهرام في 18/3 عن مصدر مسؤول قوله إن الحكومة انتهت من 120 مشروعا جديدا جاهزة للافتتاح قريبا. وقد جرى التركيز فيها على المشروعات التي تنفذ في المحافظات النائية والمحرومة من الخدمات. ويجري التنسيق حاليا بين وزارات الصحة والمرافق والكهرباء والري والتنمية المحلية لوضع آلية محددة لتنفيذ المرافق المطلوبة للمشروعات سابقة الذكر.
في يوم آخر (23/3) أبرزت صحيفة الأهرام على صدر صفحتها الأولى أن الحكومة انتهت من وضع اللمسات النهائية لمشروع قانون إقليم قناة السويس، تمهيدا لاتخاذ إجراءات إصداره وتفعيله. وأخبرتنا بأن المشروع نص على إنشاء هيئة عامة لتنمية الإقليم تتبع رئيس الجمهورية ويشترط أن تكون الشركات العاملة في إطاره مساهمة مصرية، بحيث لا تقل نسبة العمالة المصرية عن 20٪، وتلزم بأن تصدر 60٪ من منتجاتها إلى الخارج، كما حدد المشروع طبيعة الأدوار المقترحة لمحافظات الإقليم الست، بحيث تختص كل محافظة بنشاط مختلف.
على صفحة داخلية تحدثت الأهرام عن الخطة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي وأشارت إلى أن ميزانية الهيئة القومية للعام المالي المقبل تقدر بنحو 8.9 مليار جنيه، نصفها تقريبا للصرف الصحي والباقي لمياه الشرب.
قبل ذلك قرأنا عن تخصيص مائة مليون جنيه لإقامة مدينة سكنية للشباب في العلمين، وعن إنشاء ٤ قرى تعاونية متكاملة على مساحة ٤٤ ألف فدان، وتوصيل مياه الشرب إلى ٢٣٠٠ وحدة سكنية بطور سيناء، وصولا إلى إنشاء ٣٣ ألف جبانة خلال أيام بالجيزة!
مثل هذه الأخبار متواترة في الصحافة القومية. والملاحظة الأساسية عليها أنها تتحدث عن طموحات للمستقبل تعبر عن قدر طيب من حسن النية، لكنها تذكرنا بخطاب الحكومة السابقة الذي كان يعنى بالحديث عن المشروعات على صفحات الصحف بأكثر من عنايته بما تتم إقامته منها على أرض الواقع.
ثمة ملاحظة جانبية أخرى أسجلها من قبيل الاستطراد، خلاصتها أن الصحف القومية باتت تركز على مشروعات الحكومة ومخططاتها، في حين أن الصحف الخاصة المستقلة باتت تركز على الشأن السياسي والتجاذب مع السلطة والرئيس مرسي بوجه أخص. وهو ما أعطى انطباعا بأن الحكومة تسوق لنا أحلاما وأمنيات للمستقبل، في حين أن صحف المعارضة ليست مشغولة بالحاضر أو المستقبل، ولكنها تركز على تجريح السلطة والاشتباك معها على مختلف الجبهات.
الأمر الذي يسوغ لنا أن نقول بأن الحكومة تبيع لنا الحلم أما المعارضة فإنها تسوق لنا الكابوس. وفي الحالتين فإننا لا نكاد نرى أحدا مشغولا بالقضايا الحياتية الملحة للناس، ممثلة في الأمن والاقتصاد والغلاء، إضافة إلى مشكلات التعليم والصحة والسكان. وهي تركة ثقيلة لا ريب، لكنه قدر الحكومة أن تتعامل معها على علاتها، وإذا لم تستطع أن تقوم باستحقاقاتها، فإن غيرها ينبغي أن يتولى تلك المهمة.
إنني أخشى أن يكون ثقل التركة وجسامة مسؤوليات الحاضر وراء ما نشهده من محاولة للقفز على المستقبل والإكثار من الترويج لأخبار المشروعات الجديدة على صفحات الصحف. وقد سبق أن تمنيت في أكثر من مناسبة أن تبادر الحكومة إلى مصارحة الناس بحقائق الموقف الذي تواجهه، والذي يزداد صعوبة وتعقيدا بمضي الوقت، وأن تكون واضحة في تحديد أولوياتها، بدلا من الاستمرار في توجيه رسائل الطمأنة والتفاؤل بالمستقبل، في الوقت الذي تزداد معاناة الناس وشكاواهم.
لقد قيل لي إن وزير الصناعة تحدث طويلا في أحد اجتماعات مجلس الوزراء عن العدد الكبير من المصانع الذي سيتم افتتاحه في المستقبل، وبعدما استمع الجميع له سأله وزير الكهرباء عن مصدر الطاقة التي يستلزمها تشغيل تلك المصانع، وكان السؤال مفاجئا، لأن الوزير لم يضع في حسبانه هذه المشكلة.
ليس معروفا عمر الحكومة الراهنة، لكن أكثر المتفائلين لن يتوقع استمرارها بعد إجراء الانتخابات التشريعية القادمة، التي يرجح لها أن تتم في شهر أغسطس المقبل. وذلك يعني أن أمامها ستة أشهر تقريبا، ويتعين عليها من ثَمَّ أن تركز على ما تستطيع إنجازه خلال تلك الفترة على صعيد الواقع وليس على صفحات الصحف. لذلك أزعم أن الدكتور هشام قنديل ليس مطلوبا منه خلال تلك الفترة أكثر من توفير احتياجات الناس المعيشية وحل مشكلة الأمن المنفلت في البلد. ولو فعل ذلك لأدى خدمة جليلة تشرِّف صفحته وتفتح الباب لخلقه لكي يشق طريقه إلى المستقبل بثقة واطمئنان.