القمة العربية التي تستضيفها قطر هي من أهم القمم التي تعقد منذ قمة أنشاص عام 1946، ذلك انها تأتي متلازمة مع مفترقات سياسية حدثت وتحدث في المنطقة العربية ووسط تحولات جارفة في طبيعة النظام السياسي العربي، ثم انها ستوكل قيادة العمل العربي المشترك مدة سنة الى قطر التي تبدو منذ اعوام وكأنها قاطرة العالم العربي وصاحبة المبادرات الجريئة، سواء لجهة تبنيها القوي حركة التغيير العربي منذ انطلاقها في تونس ثم في ليبيا ومصر، وصولاً الى سوريا التي جعل منها النظام مستنقعاً للدماء والقتل، يحاول القطريون والسعوديون تجفيفه بدعمهم العميق للمعارضة وبسعيهم لترتيب انتقال سياسي ينقذ سوريا من نير الحكم الكلّي ويتيح للشعب المذبوح ان يقررمصيره بنفسه.
عملياً تواجه القمة ملفات دقيقة وحاسمة لعل ابرزها ثلاثة:
اولاً- انقاذ سوريا ورعاية عملية الانتقال السياسي وخصوصاً بعد انتخاب الحكومة الموقتة، التي اسقطت عملياً كل الرهانات الروسية والايرانية على تشكيل حكومة يكون للنظام فيها حصة الأسد وتتيح للرئيس السوري البقاء حتى نهاية عهده السنة المقبلة وحق الاشتراك في الانتخابات الجديدة، وهو ما يوازي اذعان السوريين بعد ذبحهم وما تصفه المعارضة بانه “إلزام القتيل بالجلوس مع القاتل”.
وفي المسألة السورية يريد امير قطر الشيخ حمد تعويم الدور العربي الذي عطّله الروس بـ”الفيتو” وبتسليح النظام وتأمين الغطاء للحل العسكري، الذي تدعمه ايران منذ البداية بتسليح الاسد ومدّه بالخبراء العسكريين ثم بالمقاتلين من العراق ومن “حزب الله”، في وقت تواصل اميركا منع تزويد الثوار اسلحة تساعدهم في مواجهة القصف الجوي، ثم تتراجع عن موقفها من “اتفاق جنيف” بعدما رفضت كلينتون تفسير روسيا له فجاء جون كيري ليتبنى وجهة نظر لافروف، بما يعني تلزيم الامر الى الروس والايرانيين، اي تسفيه الدور العربي، الامر الذي ترفضه الدوحة وتريد من القمة ان تعيد بلورة موقف عربي فاعل يساعد في عملية الانتقال السياسي في سوريا.
ثانياً – تعويم الوضع الفلسطيني ودعمه عبر ارساء المصالحة وترسيخها لمواجهة تداعيات انهيار عملية السلام، بعدما تبين ان اوباما الذي عجز عن تحقيق وعوده ينصرف الآن عن الشرق الاوسط، في وقت تتشكل حكومة اسرائيلية جديدة هدفها الوحيد المضي في التهويد ودفن العملية السلمية… اذاً كيف نواجه قضيتنا الاولى سيسأل الشيخ حمد القادة العرب عارضاً عليهم تصوره.
ثالثاً – ترتيب البيت العربي وتعويم الجامعة العربية في مرحلة دقيقة يرى فيها امير قطر اننا امام عالم عربي جديد يتشكل ويحتاج الى أداء مشترك اكثر نضجاً ووعياً، ذلك ان ارهاصات الثورة في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا وحركة التغيير والتطوير المتسارعة في دول عربية اخرى، تفرض بلورة عملية انتقال نوعي في العمل العربي المشترك.
راجح الخوري/قمة قطر لعالم عربي متغيّر!
14