ربما الأمر الوحيد الذي يجمع عليه أعضاء الإدارة الأميركية في تصريحاتهم هو إبداء الخشية من سيطرة المتشددين على السلاح والسلطة في سورية. ومهد أركان هذه الإدارة لزيارة الرئيس باراك أوباما للمنطقة اليوم بمعلومات غزيرة عن هذا الخطر الذي جرى التعبير عنه منذ بداية الاشتباكات المسلحة في سورية بوضع جماعة «النصرة» على لائحة الإرهاب. وعشية وصول أوباما إلى تل أبيب، اعتبر بنيامين نتانياهو أن الخطر الكبير على إسرائيل هو استيلاء مثل هذه المجموعات على ترسانة الأسلحة الاستراتيجية والمتطورة لدى القوات النظامية السورية.
لتتحول الأزمة السورية، بكل تعقيداتها الداخلية والإقليمية وبكل ما تنطوي عليه من مطالب شعبية وبكل ما أنتجته من قتل ودمار وخراب، ليتحول كل ذلك إلى مسألة قضية «مكافحة إرهاب» مفترض في سورية، والدفع في اتجاه أن تقدم قوى المعارضة، بشقيها المدني والعسكري، ضمانات بأنها ستقاتل في هذه الحرب الجديدة على الإرهاب.
النظام السوري الذي يملك خبرة عميقة في معنى الحرب الأميركية على الإرهاب، خصوصاً في العراق، ركز دعايته على هذا الجانب من الأزمة أيضاً منذ البداية. فالمجموعات الإرهابية المسلحة هي التي دفعت إلى التصعيد العسكري، وهي التي تخترق الحدود من الجوار وبمساعدته، وصولاً إلى استيلائها على سلاح كيماوي استخدمته أمس في منطقة حلب.
هذه الرواية السورية الرسمية تدعم المخاوف الأميركية من الإرهاب، وجعلت الإدارة تتحفظ وتحذر، ومن ثم راحت تروج لحل سياسي يعتبر أن الأساس فيه هو القضاء على الإرهاب السلفي الذي يقاتله النظام السوري. مع كل ما يتضمن ذلك من إعادة اعتبار للنظام الذي ترغب الإدارة أن تراه جالساً مع المعارضة إلى طاولة التفاوض.
انعكس هذا الموقف السياسي على المعارضة التي شهدت تخبطاً وتراجعاً وخلافات لفترة طويلة قبل أن تتفق على تسمية رئيس لحكومة موقتة.
لقد وضعت الإدارة الأميركية، في علاقاتها مع المعارضة السياسية السورية، أولوية التزام الحرب على الإرهاب السلفي المفترض. وضغطت، خلال كل الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدتها المعارضة، من أجل تثبيت هذه الأولوية، من دون كثير اهتمام بالقضايا الأساسية المتعلقة بطبيعة الأزمة وكيفية إدارتها والخروج منها، بما يضمن استعادة الحقوق الأساسية للشعب السوري.
ويبدو أن الإدارة الأميركية الحالية لم تغير كثيراً في النهج الذي اتبعته سالفتها في العراق. إذ بات جلياً أن كل المبررات والحجج التي قدمتها إدارة جورج بوش الابن، لم تكن واهية فحسب، وإنما كانت موحى بها من لوبيات تريد أن تنقل العراق استراتيجياً من مكان إلى آخر، وفي مقدم أصحاب المصلحة في ذلك إيران وسورية. وبعد حصول هذه النقلة، بات الإرهاب الذي تحاربه أميركا في العراق يجد قاعدته الخلفية وطرق إمداده في البلدين. وهو الإرهاب نفسه الذي يجد بعض صداه اليوم في سورية. أي أن هذا الإرهاب الذي جرت رعايته في العراق كانت له وظيفة ضد القوات الأميركية في العراق. واليوم يعاد استنساخ هذه الوظيفة ضد المشروع السياسي للمعارضة السورية. ويبدو أن الولايات المتحدة ابتلعت الطعم إياه مرة أخرى.
لقد اجتاز «الائتلاف» أخيراً تحدي تسمية رئيس موقت للحكومة الذي تنتظره مهمات كثيرة وبالغة التعقيد، ميدانياً ومعيشياً وعسكرياً وسياسياً. لكن أهم ما يمكن أن تفعله هذه الحكومة هو عدم الوقوع في فخ دور الصحوات العراقية، سواء في وظيفتها الميدانية أو وظيفة نيل الرضا الأميركي.
عبدالله اسكندر/حكومة موقتة أم صحوات؟
14
المقالة السابقة