نعرف سلفا أن جدول أعمال القمة العربية المقبلة المنعقدة في الدوحة نهاية الشهر الجاري سيكون كسابقاته متخما بالمواد، لكنها جميعا خارج النص الفعلي لما عليه أمور الأمة. فما يحتاجه العرب أبعد بكثير من الكلام والتمنيات، حاجتهم للفرص الضائعة تبدو مطلوبة في هذا المناخ السائد.
إذا كان مؤتمر القمة جادا فعليه ان يتأمل في حال العرب وما هي حاجتهم الماسة والسريعة. هي المصالحة الداخلية في كل بلد عربي، وقبلها التصالح مع كل قطر عربي اساء له بعض العرب أو تدخلوا في شؤونه الداخلية فعرضوها للوهن والدمار، حتى انها بدت كمؤامرة يشجع الغرب عليها باعتبارها عربية الهوى والبعد والتنفيذ.
فما يجري في تونس يحتاج لمصالحة داخلية يتأكد فيها حسن النوايا في عدم استئثار اي فريق بالحكم، وليكن المناخ الديمقراطي سيدا في ادائه كي يتشجع التونسيون على ترتيب أوضاع بلدهم. وفي مصر التي تحتاج هي الأخرى لمصالحات، فمن الأجدى ان يعاد النظر بأحوالها الداخلية كي تستعيد امكاناتها المهدورة، وفي مصر الكثير من الامكانات المتاحة لتكون نموذجا للدولة العصرية الديمقراطية البعيدة عن كل الاشكالات التي أوصلتها إلى تلك النهاية التي باتت تشكل خطرا على مصير ومستقبل مصر العزيزة على قلوب العرب جميعا. واما ليبيا فلها خصائصها التي باتت مميزة ومتميزة .. فبعد انفراط الدولة والحكم والمؤسسات والمجتمع، صار المطلوب مصالحات من نوع آخر هي اشبه بتوافقات على كيفية اعادة ما انفرط وتسبب في شلل كامل الحياة الليبية ما أدى إلى تسلط القوى المعارضة المسلحة على النظام والحياة العامة. وفي حين تعيش اليمن البحث عن تعزيز وحدتها الداخلية، بين اصوات قادمة من الجنوب تطالب بالانفصال وأخرى تعمل في الشمال على إعادة ترتيب البيت الداخلي اليمني، فإن هذه الدولة العربية باتت مهددة مصير وحدتها وعليها ان تصنع أفقا لحل دائم. واما سوريا فهي الأبرز صراعا والأكثر توترا والأشد مصاعب بين كل الاقطار العربية. انها الآن على فوهة بركان، ولم تسلم أوضاعها الداخلية من تزايد المحن المتراكمة عليها، فهي بالتالي بحاجة لسحب كل الذرائع المساعدة على توتير الوضع الداخلي بكل تنقلات الحرب الدائرة، ورصد مكامن الخطر التي باتت معروفة وفي طليعتها المؤامرة التي تستهدفها. ولا بد ضمن حسابات المنطق القائم، ان يكون العراق ايضا بين مجموع تلك الدول التي تحتاج إلى مقاسات خاصة تسحب من جوها تلك الفتائل اليومية المدمرة التي تفتك بالشعب بكامل اطيافه وكأن القدر العراقي ان تظل المسافة بينه وبين استتباب الأمن قائمة وثمة من يمطها كي تزيد، دون ان نستثني لبنان الذي يعيش إفرازات الألم السوري عليه والذي بات انقسامه بحاجة لمصالحات هي الأخرى.
المطلوب اذن من القمة العربية الدفع بإجراء مصالحات عربية داخلية واخرى بين اقطارهم. هي لحظة لن تتكرر، والا فإننا سنسمع خلال اوقات قريبة تردادا للفكرة القائلة بأنني أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
زهير ماجد/المصالحات العربية
20
المقالة السابقة