أعرب السفير العراقي د.جواد هادي عباس عن تقديره للتمازج الثقافي الأردني العراقي؛ ولجهود المركز الثقافي الملكي في تخصيصه أمسيةً شعريةً تزامناً مع تتويج بغداد عاصمةً للثقافة العربية في الثالث والعشرين الجاري.
وقال عباس، في رعايته الأمسية الثانية من برنامج (شعراء روّاد)، التي شارك فيها الشاعر العراقي عبود الجابري، إنّه يتوقع أن تكون هذه الأمسية المهمة بادرة لأمسيات مشتركة احتفاءً بالمناسبة، مضيفاً لـ(الرأي) أنّ المثقفين العراقيين في الأردن تشاركوا مع إخوانهم الأردنيين في تطوير المشهد الثقافي والأدبي والفني، مبيناً أهمية الفعل الثقافي في رقي الشعوب، والتعاون الذي يجري بين البلدين على أكثر من صعيد.
وقال عباس إنّ الإعلام الثقافي يسهم في التعريف بعاصمة الثقافة ونشاطاتها المتنوعة، مبيناً أنّ وفداً ثقافياً وإعلامياً أردنياً سيشارك في حفل افتتاح بغداد عاصمة الثقافة العربية.
الأمسية، التي حضرها المستشار الثقافي العراقي د.عبدالرزاق العيسى، وكرّم فيها السفير العراقي المشاركين، وحظيت بجمهور طيب، أدارها منسق برنامج (شعراء رواد) الزميل الشاعر إبراهيم السواعير، وقرأ أبياتاً للشاعرين العراقي الراحل محمد مهدي الجواهري في بغداد، منها: (..إذن لرأيتِ كيف النار تذكو// وكيف السيلُ إن ركب المسيلا// وكيف القلب تملكه القوافي// كما يستملك الغيثُ المحولا). كما قرأ للسوري الراحل نزار قباني: (مدّي بساطكِ واملأي أكوابي// وانسي العتاب فقد نسيتُ عتابي// عيناكِ يا بغداد منذ طفولتي// شمسانِ نائمتان في أهدابي).
الأمسية التي سجّلت فعالياتها قناة (العراقية) و(إن بي إن)، وتلفزيون المركز الثقافي الملكي، اشتغل فيها الجابر ي على اللغة اشتغالاً موارباً، حذراً، في بساطةٍ لم تمنع الوقوف أمام النص، وتحديداً في استدعائه الموروث الديني و(القميص) بما له من آفاق، ليفارق ويضجر ويختزل في مقطوعاتٍ ذكيّة خرج بها على قاعدة التباكي والندب.
عناوين الجابري وجدت قبولاً في ديوانيه (يتوكأ على عماه)، و(متحف النوم)، وفي قصائد، من مثل (جغرافية ناقصة)، و(أو نتخذه بلداً)، ومن قصيدته (في تأويل الرنين)، قرأ: (…رنّة/تصْدُرُ منْ قعرِ العالَم/ ذلكَ ماجعلَهمْ يطلُّونَ منَ الشُّرُفاتِ/ على ما تصِلُ اليهِ عيونُهم/ لمْ يرَوْا/ درهَماً ساقطاً منْ جيبِ بخيلٍ/ وليسَ منْ قتيلٍ/ أُلْقيَ بهِ منْ شرفةِ القصْر/ِ لمْ يرَوْا امرأةً يتهَدَّدُها رجلٌ نزِقٌ/ كانوا يعرفونَ أنَّ المكانَ/ أبعد كثيراً/ من حلُمِ النّاي/ وأكثرُ شَراسةً منْ ضجيجِ الطَّبلِ/ ..رنّةٌ/…لكنها رنة/ قال الموسيقيُّ/ إنها عزفٌ منفرد على وتر مقطوع الأنفاس/ وقال الجنديُّ:/ إنها أوّل النفير/ وكان الطفل يحلم بجرس المدرسة/ وحدها المرأةُ قال:/إنّها أنّةٌ/ فتبعها حشدٌ من المصفقين/..لكنها/.. لكنها../ قالها رجلٌ وحيدٌ/ ومضى يتحسس قلبه)….
الناقد كيطان كان وقف على التجريب عند الشاعر الجابري، شاباً من شعراء الثمانينات، ومطلع التسعينات، طبع دواوينه في عمان، واتجه نحو التجريب لا للاستعراض اللغوي. من ورقة كيطان الطويلة نقرأ هذه الجمل النقدية: (…اليوم يعاد الاعتبار للعاطفة، وبلغة أدق فقد بدا ذلك منذ أواسط التسعينيات. في تلك المرحلة بدأ الشعر العراقي ينتبه بشكل لافت للمهمش، واليومي، والعابر. بدأ ينتبه للحياة بصورة أكثر صراحة. وشعر عبود الجابري هو ابن تلك المرحلة القاسية والمؤثرة معاً. نجا بنصوصه مبكراً من الوقوع في فخاخ التجريب لأجل التجريب، لأنه كان منحازاً لطابع شخصي في الكتابة الشعرية. وهل الشعر إلا انطباع شخصي عن الحياة؟!… هذا هو ابن المحنة العراقية. شاعر ينفصل بنصوصه عن غبار الحروب ليأخذك بعيداً جهة الأمل الذي تمثله الكتابة العاشقة. وإذ أقول: ينفصل، فلا أقصد بالطبع أن نصوصه تتناسى، أو تتعالى، على الهم العراقي الذي يشغل مساحة أكثر من نصف قرن في وجدان النخبة العراقية، بل يحاول البحث عن مخرجات لقراءته، مخرجات غير تلك التي يمكن تسميتها بنصوص الندب والرثائيات).
أمسية عراقية في (الثقافي الملكي) تزامناً مع عاصمة الثقافة العربية
23
المقالة السابقة