لعل كثيرين نسوا الجملة التي لا تنسى أن “انصر أخاك ظالما أو مظلوما ” .. سقط هذا النوع من الكلام أمام احتدام المشاريع التي لا أخوة فيها ولا من يتأخونون، فكيف بالأعداء، ثم بالغرباء، أو بأولئك الذين لا يعرفون غير لعبة المصالح وهم محترفون بها إلى حد التخمة.
صورة قاسية يعيشها العربي الذي جار عليه الزمن فصار مطلوبا من أعتى قوة في العالم الولايات المتحدة، ومن أكثرها إجراما إسرائيل، ومن أشدها دهاء بالمصير بريطانيا، ومن أكثرها قساوة بالفهم الاستعماري فرنسا.
والأقسى من كل ذلك أن الاخوة تحولت إلى مجرد عبارة لم يعد ينفع فيها سوى استهلاك الكلام الطيب فيما القلوب عامرة بشيء آخر.
هو أسلوب فيه من الفم حلاوة، فيما الواقع عكسه تماما. انه الدبلوماسية في أعلى مراحلها، وهي الحاجة لستر الحقيقة بضحكة من شفاه فيما العقل يشتغل على خيوط أخرى.
هو العالم بكل أسف مبني على قساوة نسمع عنها ونراها، لكن المتورطين فيها يعرفونها ويحفظونها عن ظهر قلب. لكنهم يقولون، إن الأميركي هو من يأمر، لأنه يملك القوة، فإن قبلنا تجلياته واتجاهات رياحه أصبحنا من أهل البقاء، وإن رفضنا أو ترددنا صرنا من أهل الزوال.
تحاور الولايات المتحدة كما يقول أحد المسؤولين العرب والمسدس بيدها، وهي إن أخفته، يبدو واضحا من تلاوين شفاه المتكلم بكل صرامة الكلمات التي بين التحدي والتحدي تحد ثابت ومكرر.
لم يعد هنالك من أخوة حتى بين أبناء الرحم الواحد، فكيف بالبعيدين وان كانت تجمعهم العروبة واللغة والدين وحتى الجغرافيا القريبة في بعض الأحيان. صارت كلمة على ورق أو لفظة طائرة من مذياع، أو طلة على شاشة.
العالم صغير يقولون لك، والعالم مصالح يكملون، فلماذا لا تتقدم مصالحنا على روابطنا الأخرى، ولماذا نهرب من قدر الخيارات التي تضعها الولايات المتحدة وتكاد تهددنا إن نحن لم ننفذ إرادتها.
ثمة من يتألم، وثمة من يشعر بألمه، وثمة من يواكب، وآخر من يتحسس .. النار لا تحرق إلا مكانها، ومن يده فيها غير من يده في الماء. لكن البعض يعيش أحيانا كما يقول نزار قباني “بين الماء وبين النار” تلك المسافة الرهيبة في تكوينها والتي تحتاج لتدرب عال.
يبدو ان نظام الأخوة قد انفرط عقده، بل هو كذلك منذ زمن طويل وأبرز وجوهه ما حصل للمسلمين العرب في اسبانيا تحت مفهوم حروب الطوائف، وكيف انهارت ممالكهم يوم تحولوا إلى ذاتيات وانانيات، وكيف نسوا أن لهم اخوة فإذا بالآخر نجح في نسج اختراقاته من خلال هذا الإحساس القاتل.
لا نملك بالتالي غير الصبر على المشهد الذي خلا من الناصرين.
زهير ماجد/بلا ناصر ونصير
19
المقالة السابقة