ليست المرة الأولى التي تدين فيها منظمات حقوق الأنسان، طرفي الصراع السوري، وتوجه إنتقاداتها للنظام وللمعارضة، وتحميلهما مسؤولية إرتكاب إنتهاكات بحق الإنسانية، على أيدي مقاتلي الطرفين الجيش النظامي والجيش الحر، لأن سلوك الأول في تعامله لا يعكس نظاميته ويفتقد للإنضباط، وسلوك الثاني لا يعبر عن مضمون الحرية ولا يعكس تطلعات الشعب السوري نحو المعارضة في أن تكون البديل لنظام يحمي الأمن والتعددية وحقوق الأنسان.
وبعد سنتين من الصراع الدامي، فشل النظام وجيشه من إنهاء المعارضة ولجمها وتقويض دورها، مثلما فشلت المعارضة في إسقاط النظام وتصفية رموزه، ولم يحقق أي منهما هدفه، وكلاهما بات تحت رحمة نيران الأخر ووقعا أسيرين، لمخططات عدو سوريا، وهو المستفيد الوحيد من تدمير وطن السوريين وخرابه وإضعافه، وعدوهم هو إسرائيل الذي يحتل أرض بلادهم، ويتأمر عليها ويوجه لها الضربات المركزة المتقطعة، بهدف إبقاء التفوق الإسرائيلي، وسوريا ضعيفة، وبقاء الجولان رهينة لجيش الأحتلال.
لقد تطلع السوريون، نحو الأرتقاء إلى ما هو أفضل مما كانوا يعيشون فيه، فقد تعودوا على تجاوزات الأجهزة، وتكيفوا معها، ولكنهم مع ثورة الربيع العربي، حلموا، بنظام تعددي تقوده سلطة تفرزها صناديق الإقتراع، ويحتكم إلى معايير حقوق الأنسان مثل كل الشعوب المتحضرة، ولكنهم بدلاً من ذلك أُبتلوا بالثورة الدموية والربيع الأسود والسلوك غير الديمقراطي، فتم قتل أبنائهم وشردت عائلاتهم ودمرت بيوتهم وفقدوا السكينة والأستقرار والطمأنينة، وسيدخلون دوامة التجارب المريرة كما حصل للعراقيين والليبيين ومن قبلهما الأفغان والصومال، هذا إذا نجح أحد طرفي الصراع في إنهاء الأخر، أو أن كليهما وصل لطريق مسدود، لا مجال لهما إلا الجلوس على طاولة تقاسم السلطة كما فعل اليمنيون، فالمشهد السوري، ينطبق عليه المثل الشعبي الدارج « هرب من الدلف، فوقع تحت المزراب «.
لست متعاطفاً مع النظام السوري، ولكنني أحسده على صموده في وجه التحالف الدولي المتعدد الأطراف الذي يستهدفه، مثلما لست متعاطفاً مع المعارضة المحظية بالدعم الأميركي الأوروبي التركي، ونحزن كأردنيين وعرب ومسلمين ومسيحيين، لما وصل إليه حال سوريا من ضعف وخراب وتشرد، فبدلاً من أن تكون دمشق بقدراتها وجيشها وشعبها رافعة سياسية ومادية لنا كأردنيين، ورافعة لنضال الشعب الفلسطيني في وجه المشروع التوسعي الإسرائيلي، بات الشعب السوري الموجوع، عبئا علينا، ومحل دعم وإسناد من قبل إمكانات شعبنا الأردني المتواضعة، ومن قبل عواطف الفلسطينيين وعذاباتهم، الذين يحتاجون لروافع عربية تعينهم، وليس لمزيد من المأسي تُضاعف من أوجاعهم.
h.faraneh@yahoo.com
حمادة فراعنة /جريمة بحق سوريا جريمة بحق الإنسانية
21
المقالة السابقة