ما شجعني على استعارة فرويد وفروم في قراءة ما يجري وما جرى في أكثر من بلد عربي، هو أن العرب لم ينجزوا ثورتهم القومية لا عبر شكلها البرجوازي ولا عبر شكلها الاشتراكي، وبالتالي لم يؤسسوا مجتمعا مدنيا معاصرا، باعتبار أن المجتمع المدني مفهوم قومي بالضرورة، ولا يمكن للكيانات القطرية أن توفر الشروط الموضوعية لدمج المكونات ما قبل الرأسمالية، الطائفية والعشائرية في مجتمع حديث جديد.
وهو ما يعيدنا الى ما أكرره دائما اعتمادا على المفكر المغربي، محمد عابد الجابري، من أن ما يجري هو صراع بين قبائل وطوائف للاستحواذ على غنائم السلطة بايديولوجيات ما قبل رأسمالية..
انطلاقا من ذلك أعود الى فرويد في أعماله التقليدية حول دور الجنس والغرائز واللاشعور في الحياة، وفي كتابه الذي لا يذكر كثيرا وهو (الطوطم والتابو)، كما الى فروم (من تلاميذه المجددين):-
1- فيما يخص الحراك الشعبي العربي عموما، وهو حراك جمهور أو أهالي أكثر منه حراك شعوب مكتملة بالمعنى القومي.. فإننا أمام الظاهرة الفرويدية المعروفة بقتل الاب ووراثة قطعانه وممتلكاته في سيرورة (الخطيئة- العقاب والندم) وليس بلا معنى أن يوصف النظام العربي بالنظام البطركي (الابوي) الرعوي الريعي الذي يعيش على التخادم السياسي للاجنبي ويدفع جزءا من أجرة هذا التخادم لصالح قاعدة شعبية سرعان ما تثور عليه إذا دخل هذا التخادم في ازمة اقتصادية أو فساد..
ويصح تعميم هذه (القاعدة) على الطوائف والقبائل ايضا..
لذلك يلاحظ أن الحراك الشعبي يركز على الاب (الزعيم) اكثر ما يركز النظام الذي غالبا ما يحافظ عليه.
2- مقابل الصورة السابقة لتداعيات (الطوطم والتابو) فإن الصورة الثانية وهي كتابات فرويد التقليدية حول الليبيدو أو الطاقة الجنسية، تظهر عند بعض الجماعات المتشددة خاصة في تأويلها للثواب المرتجى أو المنتظر في الجنة (الحور العين).. ولا يتعلق ذلك بحالة الوعي أو الشعور الفردي المباشر بل بحالة من اللاشعور الجمعي الكامن وتداعياته كما يلاحظ تلميذ فرويد (يونغ)..
3- البعد الثالث في هذه القراءة له علاقة بالغرائز وغياب العقل أو العقل المستقيل وتجلي ذلك باستبدال عقل الصراع والخلاف بالكراهية المثقلة بنزعات طائفية أو مذهبية أو جهوية والتي تحجب نفسها بأقنعة مختلفة تميل الى خلط الأولويات والتناقضات ورؤيتها في حالة من السكون والوجوم المطبق، وهذا طبيعي ما دمنا نتحدث عن وعي ما قبل مدني – قومي لمجاميع لا مجتمعات ناجزة.. (فالوعي) الطائفي – الجهوي – الاقليمي هو ما يميزها، ومن أخطر صفاته أنه يكره ويحب لكنه لم يصل بعد الى وعي التناقضات القائم على جدلية الصراع والوحدة ورؤيتها ومحاكمتها في سيرورة متحركة.
4- حسب إريك فروم في كتابه (التدمير الذاتي) وبالإضافة لثنائية فرويد (غريزة الموت وغريزة الحياة) لا بد من التمييز بين نزعة التدمير المشتركة مع الحيوانات (رد فعل دفاعي) وبيولوجي وبين نزعة تدمير عند الانسان فقط (إشباع حاجة لدوافع مختلفة)..
ومن اشكال هذا التدمير: العدوان الامتثالي؛ المعتدي مساق برغبة في التدمير وعدوان الحقد (الكراهية الشخصية او الدينية) وهو جزء من الاداء الوظيفي الذهني، والعدوان الضاري، ومن مظاهره اشتهاء الموتى (النيكروس) ويتجلى في تقطيع اوصال الموتى، والسادية (دافع جزئي للطاقة الجنسية) وتظهر عند جماعات دينية متطرفة، والانتشائية (مرتبطة بالكراهية) وهناك (شهوة الدم) خاصة لاغراض دينية كما عند جماعات يهوه.
ويخلص (فروم) كما فرويد الى أن الصراعات والحروب وما يرافقها من وحشية تغذيها نزعات طائفية متطرفة هي تنويعات على حالات مرضية بالاضافة الى ابعادها الاخرى..
mwaffaq.mahadin@alarabalyawm.net